(همس الحروف)
أين وزيرا الدفاع والداخلية من حادث محطة الكلس؟!
✍️ الباقر عبد القيوم علي
يظل الاستخفاف بحياة الناس سلوكاً مُعتمداً ومتعمِّداً عند بعض أفراد الشعب السوداني، وخصوصاً القوات النظامية، ويتضح ذلك جلياً أثناء قيادتهم للمركبات العسكرية في الطرقات العامة، مما يشكل هاجساً وخطورة بالغة، وتُعد سلوكاّ أهوجَ بآلة تحصد أرواح المواطنين الأبرياء بدون ذنب اقترفوه.. ويرجع ذلك لما وقر وثبت في نفوسهم بالقضاء الذي يجعل معظم المواطنين يتقبّلون هذا الأمر الناتج عن الاستهتار المُتعمِّد الذي يحدث لهم ويقود إلى نتائج كارثية، وكان من الواجب أن يفسر ذلك بأنه يمثل نوعاً من أنواع للقتل العمد الذي يجب على الأجهزة العدلية توقيع أقصى العقوبات على مرتكبيه، ونتيجة هذه العفوية التي يتم بها استقبال القضاء والقدر الناتج من مثل هذه الحوادث، ارتفعت نسبة الاستهتار الذي أصبح السمة التي تغلب على تحركات النظاميين وانتقالهم الخطأ في الشوارع بإخافة الناس بسياراتهم التي تبتدي بالدفع الرباعي وتنتهي بالقطع الكبيرة، ومن الملاحظ أنهم لا يجدون ضرراً في مخالفة كل قوانين المرور وأخطرها تجاوزهم للإشارات الحمراء التي لا ينظر أغلبهم إلى لون ضوئها عند العبور، وكما تشكل السرعة الزائدة في الطرقات المزدحمة خطراً آخرَ يؤدي إلى ارتفاع معدل الحوادث، فمن الطبيعي أن يمثل هذا السلوك المعوج آلة موت تتحرّك بيننا وتهدد حياتنا لتختار الأبرياء دون أدنى اعتبار لحق الحياة.
كنت أتوقع ظهور وزير الدفاع عبر الأجهزة الإعلامية، ليوضح للرأي العام، ملابسات هذا الحادث الشنيع الذي حدث بشارع الحاج يوسف محطة الكلس يوم السبت الماضي الذي تسبّب في موت وإصابات الكثيرين نتيجة التهور الزائد من سائق إحدى قطع قوات الشعب المسلحة الثقيلة الذي أكد شهود العيان أنها عربة (ماجروس) وكانت تدب في شوارع الخرطوم بدون لوحات و هذا هو ديدن السيارات النظامية، وذلك إن دل إنما يدل على الاستهتار والاسترخاص الواضح لأرواح المواطنين عموماً، وخاصة الذين لقوا حتفهم في هذا الحادث وما زال البعض يئن تحت الرعاية الطبية في المسشفيات، حين لاذ السائق بعربته الضخمة من مسرح الجريمة على طريقة الكاو بويات، ولو صح أن هذه العربة الماجروس تتبع لقوات الشعب المسلحة أو حتى الحركات المسلحة، كان يجب على وزير الدفاع على أقل تقدير الظهور أو التصريح لأجهزة الإعلام لتثبيت أو نفي الادعاء، مع تقديم الاعتذار الشديد للشعب السوداني عن ملابسات هذا الحادث الذي هزّ المنطقة والسودان كله، بل تفاعل معه الكثيرون خارج الوطن، مع الترحم على أرواح الشهداء الذين بُلِّلت الأرض بدمائهم الذكية الطاهرة ومواساته لأسرهم وتحمُّل نفقات علاج المصابين منهم في المستشفيات التي تتبع للقوات المسلحة أو على نفقتها في أي مكان يسهل فيه العلاج، وإن ثبت ذلك فعليه أن يشرح للرأي العام الضرورة الملحة التي أوجبت الخروج لهذه المعدة من ثكناتها بدون لوحات، وكما يجب عليه أن يحدثنا عن ماهية هذه المعدة ونوعية المهمة التي جعلتها لا تتوقّف في مكان الحادث؟!!! وحالة سائقها العقلية الذي كان يقودها بجنون وكأنه أتى من أجل تنفيذ هذه المهمة القذرة وكأنها مهمة تصفية إرهابية!!
وكما كنت أتوقع أيضاً أن تقوم قيادة الشرطة بفك طلاسم هذا الحادث الأليم الذي يحمل الطابع الإجرامي ذي الصفة الإرهابية في وصفه من إحداثياته التي تم بها، وكما كان يجب عليهم كشف ذلك في حينه ووقته لأن مثل هذا الإهمال يُوغر الصدور ويزيد من نسبة التوجُّس ضد الأجهزة النظامية عند المواطنين، ولهذا كان من الواجب أن يبثوا الطمأنينة بين الناس وخصوصاً لذوي الضحايا حتى يشعروهم بأن هناك من يحمل هَمّهم على الصعيد الرسمي في كشف ملابسات هذا الحادث ذي الطابع الغريب، ويكون ذلك كرسالة إعلامية ناجحة لتأكيد جاهزية الشرطة بقُربها من المواطنين وسعيها الدؤوب في حفظ الأمن وبث الأمان الذي يمكن به أن ترسل الشرطة رسالتها التي تؤكد حقيقة ما وعدت به من إجراءت احترازية تحفظ الأمن وتفرض هيبة الدولة حسب ادعائهم، وبهذا السلوك يمكن أن يؤكدوا جديتهم في حسم كل أشكال الظواهر السالبة التي تتشكّل منها الجرائم الخطرة كجريمة محطة الكلس، وكذلك يجب على الشرطة محاولة إعدام كل مظاهر السلوك الإجرامي، الذي قد يُدخل الشرطة في دائرة التقصير في مهامها حال ظهور أي شَئ ينزع فتيل الطمأنينة من قلوب المواطنين، الذين يعتبرون هذا الأمر مظهراّ يتنافى مع سلوك المدن الحضرية وخصوصاً الجرائم التي تتم بواسطة المركبات التي لا تحمل لوحات، في وجود انتشار الشرطة، إذ يترتّب على ذلك كثيرٌ من الجرائم الكاملة التي يظفر فاعلها بالهروب دون الملاحقة القضائية مما يجعلنا كسكان الغابة، الذين لا يعيشون في مُدن مُحترمة كالعاصمة الخرطوم وفي دولة لها وزنها وتحكمها سلطة القانون.
لقد نتج عن هذا الحادث البشع القبيح، رحيل سريع مفاجئ لبنت السودان الفاضلة فتحية سلطان شقيقة الإعلامي الرمز علي سلطان مستشار التحرير بصحيفة “أخبار اليوم” ومعها آخرون إلى رحاب السماء.. وإنا نحسبهم شهداء عند الله وهو حسيبهم، تاركين هذه الفانية ومعلقين حق دمائهم في رقاب قادة الأجهزة النظامية التي كان من واجبها إماطة اللثام عن هذا الحادث البشع الذي انتزع رأس شهيدة هذا الحادث من مكانه، وضبط الذين تسببوا فيه والذين خرجت هذه المُعدة من ثكناتهم بدون لوحاتٍ، مع عدم مسامحة كل أفراد شرطة المرور الذين كانوا يسدون الخدمة في هذا الشارع وعبرت بهم هذه الشاحنة بدون لوحات دون أن يوقفها أحدٌ منهم!!
ما حدث في محطة الكلس، يصعب علينا وصفه في كلمات، لأنه أمر فظيع ويتوقع حدوث مثله لكل المواطنين.. ولهذا يجب على كل أفراد هذا الشعب التكاتف وإبلاغ الشرطة بمثل هذه التفلتات حال وجودها، وذلك بإعطاء المواطن حق التبليغ الفوري وحق المتابعة في مثل هذه البلاغات حتى يتم التأكد من حسمها وتوقيع أقصى العقوبة الرادعة على المخالفين بسبب سيرهم في الطرقات بدون لوحات، ومنح المواطن حق سؤال الشرطي الذي يتساهل في تمرير مثل هذه التفلتات التي تعد بسيطة، ولكن ما ينتج عنها كبير، نسأل الله الرحمة للشهداء والعافية للمصابين.
والله من وراء القصد،،،