همس الحروف
الباقر عبد القيوم علي
إهمال قضية المخابر قنبلة موقُوتة ستنفجر قريباً!!
لكلِّ إنسان حدودٌ في سعة تحمُّله للضغوط الحياتية المُختلفة، وكما يقول المثل:(للصبر حدود)، فما بالك إذا تعدّدت المصادر لهذه الضغوطات التي أصبحت لا تُطاق، وكما قيل: (إن الكثرة تغلب الشجاعة)، وصارت مُباصرة الحياة أكبر من سعة تحمُّل أفراد هذا الشعب، لأنهم أصبحوا لا يعرفون مصدر الضربة التي تأتي على رؤوسهم، ولقد حذّرنا وما زلنا نرسل رسائلنا التحذيرية لحكومة الفترة الانتقالية أن تُوقف هذا الاستفزاز المُتعمِّد الذي يقع تأثيره على المواطن البسيط مباشرةً، الذي لا يستطيع أن يفهم هذه التعقيدات التي ربطتها الحكومة بسعر صرف الدولار بعد أن رفعت يدها من كل السلع، وأصبحت حُرّة حسب توجيهات البنك الدولي، وكان ذلك سوف يكون مقبولاً إذا كان بدل الراتب دولارياً ويُوازي هذا الضغط الكبير الذي أصبح غير مُحتملٍ لكلِّ فئات الشعب.
اليوم تدخل نسبة كبيرة من المخابز في إضراب مفتوح (57%)، وذلك لأنّ الحكومة لا تستطيع أن تُسمع غير صوتها، فمنذ فترة بعيدة طالب اتحاد المخابز بالجلوس مع الجهات التي يعنيها الأمر بالحكومة وحساب التكلفة الحقيقية للخُبز، ومن ثم تحديد سعر حقيقي يُرضي جميع الأطراف، ولكن كدأب الحكومة دائماً كما عوّدت الناس عليه، فلم تسمع منهم شيئاً، وكأنّ الأمر لا يعنيها، لا من قريبٍ أو بعيدٍ، فمُكوِّنات الخبز ليس دقيق قمح فقط، وأنما هنالك مدخلات إنتاج أخرى تُحرِّك سعرها مع هذه الزيادات التي استجابت لحركة سعر الدولار كالخميرة والزيت والملح وأحياناً (السكر) والغاز أو الجازولين، وعلاوة على ذلك دخول الكهرباء التي رفعوا أسعارها فلامست السماء، وقطعوا تيارها مما سيفرض عليهم عبئاً إضافياً في توفير الجازولين لمولدات الكهرباء، ولهذا لن يستطع أصحاب المخابز الصمود أمام كل هذه الضغوطات التي فاقت حدود الاحتمال، وخصوصاً أن استهلاك الكهرباء اليومي للمخبز ليس بسيطاً، وهذا خلاف أن أصحاب المخابز والعمال يريدون دخلاً محترماً يوازي هذه الزيادات التي دخلت بعد أن رفعت الحكومة الدعم كل شئ.
ما يضيع القضايا في السودان، هو تداخل الاختصاصات وخصوصاً تلك التي تكون عائمة ما بين الحكومة المركزية والولائية، ولهذا نجد أن أصحاب الاختصاص يتواكلون على بعضهم بطرق درامية سمجة ويكون المواطن هو الضحية الذي يدفع عزيز عمره في طوابير ليس لها حدود! وهذا ما يجعله مجازفاً بصحته في هذه الأيام التي تحصد فيها الجائحة أعمار الناس بصورة غير مسبوقة، وخصوصاً في هذه الظروف شديدة التعقيد التي يصعب فيها مجاراة العلاج الذي بات من المستحيلات أن يستطيع الفرد تحمُّل مصاريفه.
يجب على الدولة بشقيها المركزي والولائي، النزول من بُرجيهما العاجيين والجلوس مع اتحاد أصحاب المخابز ومحاولة تفهم قضيتهم والسعي في حلها سريعاً، وخصوصاً أنّ أصحاب المخابز ما زالوا يتحمّلون عبء تجميل وجه الحكومة أمام الشعب في تحمُّل هذا السعر المدعوم الذي لا يوازي مصاريفهم في إنتاجه، وهذا ما أدخلهم في خسائر باهظة سوف تسوقهم إلى السجون في القريب العاجل، في الوقت الذي لم تُبدِ فيه الحكومة تحمُّل أي شئ معهم في ما يخص مدخلات إنتاح الخبز التي لامست أسعارها عنان السماء، وكذلك عدم تنسيق أجهزة الدولة مع بعضها قد أدخل المواطنين في زاوية ضيِّقة وأبرزها زيادة أسعار المحروقات والطفرة غير المنطقية في أسعار فاتورة الكهرباء وغيرها من الأشياء التي لم تدرسها الدولة حينما تتّخذ قرارات كهذه ستُغيِّر في أسعار السلع، وبعدها يخرج إلينا وزير الكهرباء مُبرِّراً للناس ويقول لهم: (ما زلنا ندعم دُور العبادة)، مدغدغاً بهذه العبارة السمجة عواطف المسلمين من أجل تبييض وجه الحكومة الذي أصبح في الآونة الأخيرة حالك السواد ويصعب تبييضه مهما أنفقت على ذلك، ويجب أن تعلم الحكومة أن الناس يمكن يؤدوا فرائض الصلاة في جماعة في أي مكان خارج سُوح دُور العبادة، ولكنهم لن يستطيعوا العيش بدون أساسيات الحياة، وعلى رأسها الخُبز الذي تأثّر تأثيراً مُباشراً بهذه الزيادات غير المُبرّرة، ولهذايجب على الدولة بألا تتعامل وفق نظريات الإنقاذ السابقة التي كانت تهمل الرأي الآخر، وكانت لا تلتفت إلى صوت الشعب إلا بعد أن يتحوّل الأمر إلى قضية رأي كبيرة يصعب عليهم تجاوزها، مما ساقهم إلى مصير أسود في غياهب السجون، ولهذا على الحكومة مُجابهة الطوفان القادم حال إهمالهم لهذه الإشكالات البسيطة، والتي سوف تستفحل حال زيادة المُتغيِّرات التي ستفرضها المُستجدات الناتجة من جرّاء هذا الإهمال الواضح، الذي سيؤدي إلى توقُّف كل المخابز التي تنتج الخبز المدعوم، وكما أريد أن أذكِّر الجميع بأن شعلة هذه الثورة كانت بسبب رغيفة في مدينة عطبرة فهل من (مُعتبرٍ)..؟!