أشفقتُّ على مدير المركز القومي للمناهج، د. عمر القرّاي وأنا أتابع التعدِّي اللفظي والتهديدات التي يتعرض لها بسبب المناهج الجديدة، التي وصلت إلى حد التهديد بالتصفية الجسدية.
أين نحن؟؛ وماذا فعل “القرّاي” ليستحق التهديد والوعيد، كل الأمور يمكن حلها بالحوار والنقاش، فلماذا العنف والفظاظة في الأقوال من مُدعِّي الحفاظ على الدين من انحرافات الجمهوريين، وأيُّ انحرافٍ وتشويهٍ للدين أكثر من ما يتلفظون به في حق الرجل، الذي له عليهم حق التعامل الحسن في الإنسانية قبل الإسلام.
في اعتقادي أن التهديدات التي يتلقاها “القرّاي” ليست غيرةً على المناهج مما اعتبروه إساءة للدين وانتقاصاً منه، بقدر ما هي تطرُّف وإساءة واضحة منهم الى الدين نفسه، وتصويره على أنه دين عنف وأذى وتطاول على الآخر، فبأيّ حق تسمح لنفسك ترويع أخيك المسلم الآمن بدعوى حفظ الدين.. فبالرجوع إلى أساليب التهديد نفسها الذي كشف عنها “القراي” في تصريحات صحفية تجدها مُرعبة لا تصدر إلا من شخص مريض، عنده “ذبح” البشر وإهدار دمهم هو السهل الهيّن.
أما بالنسبة لصورة “خلق آدم” التي تم استخدامها لاستجداء عواطف المواطنين، ليست الخطأ الوحيد في الكتاب بحسب خبراء ومختصين، وأكد ذلك وزير التربية والتعليم حينما أمر بتكوين لجنة لمراجعة الكتاب لاحتوائه على أخطاء علمية، ليس من بينها الصورة مثار الجدل؛ كل ذلك يؤكد على أن الاختلاف الفكري بينهم ومدير المناهج هو الذي يسيطر على عقولهم، ويتعاملون معه على ذلك الأساس، وإن افترضنا أن “القرّاي” يؤمن بما يرونه انحرافاً في الفكر أو العقيدة، فهم غير معنيين بانتماءاته أو أفكاره ومعتقداته، طالما أنه لا يُلزِّم أحداً باعتقاد ما يعتقد.
وإذا كان في العقول شيء من فهم، فإن إيراد الصورة في منهج دراسي، ليس مدعاة لأن ينحرف التلاميذ ويعتقدون العقائد الباطلة أو المشوهة، إذا كانت عقائدهم الصحيحة راسخة وثابتة فلن يتأثروا بالباطل، وسيتعلمون المقصد من إيرادها في سياقه المُراد، وعلى المعلمين بدلاً من حملات الامتناع عن تدريس الكتاب والدعوات لحرقه، أن يحرصوا على تعريف التلاميذ بالصورة ويشرحوا لهم مُراد صاحبها بكل تجرد، ويخبروهم أن ذلك الشخص ذو عقيدة مختلفة عنكم، وأنتم مسلمون ربكم واحد لا مثيل ولا نديد له، ويُحرَّم في دين الإسلام تجسيد الذات الإلهية أو الرسل والأنبياء أو الصحابة رضوان الله عليهم.
إن لم يحدث ذلك فلا فائدة من تطوير المناهج؛ لأن الهدف منها توعية التلاميذ لمواكبة عصر جديد، فيه كل شيء متاح بين أيديهم، يمكن أن يشاهدوا في الأسافير ما هو أسوأ من لوحة مايكل انجلو دون رقيب أو حسيب، فمن سيتصدى لهم حينها سوى ضمائرهم واستشعارهم لرقابة الله.
لذا، يتوجب على الدعاة وأئمة المنابر تعليم الناس دينهم بالحسنى، والبُعد عن التحريض والإثارة، ولو أنهم قاموا بواجبهم الذي سيسألهم عنه الله بتبليغ الدين الصحيح لما احتاجوا لكل ذلك، ولخرجت أجيال متمسكة بدينها لا تهتز عقيدتها بـ”صورة”.