الروابط الأخوية الخليجية مهما تباعدت، فهي قريبة جداً، ومهما ضعفت فهي قوية ومتينة، ومهما توسّعت دائرة جفوتها فهي هينة لينة تميل إلى التسامُح والصفح، ويملؤها الدفء من كثرة تشبعها بالحن والحنين لبعضها مهما حاول الشيطان من تعميق حجم الخلاف وتوسيع الهوة بينهم، وهذا ما جسّدته القيادة الرشيدة للمملكة العربية السعودية بقيادة حكيمها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، الذي قام بدق إسفين الحكمة على رأس نعش هذه الجفوة التي طالت، وذلك بإفشال سعى البعض في مُحاولات كانت يائسة منهم في مد أيام هذه الأزمة بين هؤلاء الأشقاء لتقطيع أواصر الدم التي تربطهم ببعضهم البعض، ولكن هيهات أن يكون مثل ذلك حاضراً في مكان تملؤه الحكمة، وتحفه الرحمة التي تحملها صدور وعقول هذه القيادات العظيمة، ولهذا يظل الكبير كبيراً، يسبغ بحكمة ورشده على رؤوس الجميع، لأنه يعتبر صمام أمان هذا البيت الخليجي بسعيه الدؤوب لحماية جل أفراد هذه الأسرة الخليجية من التفكك والضياع، وذلك بتأمين المصالح العامة، وعلى رأسها أمن المنطقة، والتي تتحقق بها ديمومة الروابط العميقة ذات الجذور الضاربة في عمق التاريخ، وذلك بسعيهم الدائم من أجل تقوية كيان وحدتهم وحمايتها من التباعد والخلافات التي لا طائل من ورائها، سوى التفكك الذي يسهل مهمة عدوّهم التاريخي، وكذلك هذا الخلاف قد يظهرهم أمام العالم بالضعف وقلة الحكمة وزهدهم في التعاطي مع قيمهم النبيلة التي توارثوها أباً عن جدٍ، وهذا هو ما يميز أفراد هذا المجتمع الجميل والمتناغم والمحسود في آن واحد.
اليوم الخامس من يناير 2021، تشهد العاصمة السعودية الرياض، كرنفال فرح عظيم بانعقاد القمة الخليجية الـ(41) المميزة، والتي سوف يكون لها طعمها الخاص والخالص، الذي قد يختلف كثيراً هذه المرة عن الدورات السابقات، وذلك لأن من أبرز أجندتها هو السعي الجاد لرأب صدع هذا البيت الخليجي، وذلك استجابةً منهم لأصوات حكمائهم، الذين ظلوا ينادون بتمزيق وطي ملف أزمة هذه الأسرة الخليجية إلى الأبد، ولقد ظلت دولة الكويت تلعب دوراً محورياً في هذا الصدد منذ نشوب هذه الأزمة وما زالت، وذلك من أجل رأب الصدع بإرجاع المياه الراكدة إلى مجاريها، وقد نال ذلك المسعى ترحيباً عظيماً، يُوصف ضخامة الحكمة والتسامح التي تتوفر في كامل هذا البيت، على رأسه المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة بقيادتيهما الرشيدتين.
في مثل هذه الأجواء المُفعّمة بروح الإخاء والمَحَبّة التي يتجسّد عندها نقاء القلوب وصفائها، وتتجلى فيها عظمة الرجال، وتظهر فيها عمق الروابط التي تُميِّز الانتماء إلى ذلك النسيج الاجتماعي المتناغم الذي يُميِّز أهل الخليج من غيرهم، والذي يُملك المراقب الشعور بوحدة شعوب هذه المنطقة في كل التفاصيل الاجتماعية والثقافية، ولذلك كان من السهل على قيادات دول مجلس التعاون، مراجعة الخطأ في أي مرحلة من مراحله وإزالة نقاط الخلاف والتدخل في معالجة الأخطاء إن وُجدت، وهنا برزت معادن الأصالة المكنوزة في قلوب هؤلاء القادة الأماجد الذين تواصلت بهم الخطى الحثيثة، وتقاطعت عندهم الأفكار في نقطة التقاء واحدة تمثلت في احتواء هذه الأزمة، ولهذا نجد أن جل رجالها قد هبوا إليها هبة رجل واحد من أجل تلبية ما أملته عليهم ضمائرهم النقيّة التي لا تعرف الحقد ولا تدفن الدسائس، والتي تزرع روح الأمل في أراضيهم البكر وأسمى معاني التسامُح، مع إبراز روابط الإخاء الحقيقية التي برهنت أن المؤمن سريع الغضب ولكنه قريب الرضاء، ولهذا ذعنوا لأصوات العقل من أجل إزالة أسباب التوتر التي أدت إلى هذه الفرقة وأحدثت هذا الشرخ الذي لا يليق بهؤلاء العظماء، ولهذا نجدهم قد رحبوا جميعهم بهذا النداء الذي يدعوهم إلى الصلح وإرجاع دولة قطر إلى مُحيط هذه الأسرة الخليجية الجميلة بجمال روابط شعوبها.
هكذا دائماً يكون العظماء الذين يغضون الطرف عن الصغائر، ويسعون في معالجة الكبائر مهما عظمت، ولهذا يجب علينا أن نُثمِّن على دور المملكة العربية السعودية وأن نرفع القبعات إلى عاهلها الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود في رعايته الكريمة لهذه المبادرة التي بها يلم شمل البيت الخليخي، وذلك بدعوته الجميلة والمباشرة التي كان عنوانها التسامُح من أجل الله والمصالح المشتركة وحماية أمن المنطقة، التي وجّهها إلى أمير دولة قطر، والتي تبعتها مباشرة خطوات كانت جادة في هذا الشأن، وذلك بفتح المعابر الحدودية وإفساح المجال الجوي للطيران القطري، تأكيداً منه لإزالة كل العوائق التي يمكن أن تكون حجر عثرة أمام هذا الصلح، وكما أرجو ألا يفوتني إسداء جزيل الشكر لأمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد بن خليفة آل ثاني، الذي لبّى الدعوة بدون تردُّد، مما أثلج بذلك صدور كل أصدقاء الخليج والمهتمين بهذه القضية التي عكرت صفو هذه المنطقة، ولهذا نرجو من الله أن يُوفِّق بينهم، وأن يربط على قلوبهم برابط الرحمة، وأن ينزغ الشيطان من بينهم ليكونوا يداً واحدة باطشة على كل من تسوّل له نفسه بالتعدى عليهم، وذلك بتحجيم مد دور عدوّهم التاريخي في المنطقة، وحلحلة كل القضايا الخليجية العالقة، والوصول بشعوبهم إلى كل ما يتطلعون له على المستويين العالمي والإقليمي إن شاء الله.