منذ أكتوبر، أعلنت شركات وطنية عن رغبتها في البحث عن موانئ أجنبية لعمليات التصدير والاستيراد .. ومنذ أكتوبر، تتحدث الصحف عن لقاءات تمت مع مسؤولين بالقاهرة وأسمرا لاستخدام موانئ مصر وإريتريا، وأن مصر رحبت بذلك، وكذلك إريتريا.. ولذلك، فإن إعلان مصر عن السماح لبلادنا باستخدام موانئها لم يكن مفاجئاً إلا لاتحاد أصحاب العمل، إذ يقول أمينه العام مجتبى خلف الله: (الاتحاد ليس طرفاً في الاتّفاق على استخدام الموانئ المصرية)..!!
:: وحسب هذا التصريح، فإن اتحاد أصحاب العمل – رغم أنه الجسم القيادي لمن يستخدمون الموانئ السودانية -آخر من يسمع ويرى ويتكلم، وآخر من يعلم بأمور تخصه وعضويته، أي جسم قيادي (طرور ساكت).. ولو كان قيادياً فاعلاً لبادر بطرح الحلول وإجبار الحكومة على تبنيها، ولو كان قيادياً حقيقياً لساهم في إقناع الحكومة والمجتمع بجدوى إشراك القطاع الخاص في الإدارة والتشغيل، أو كما يحدث في كل الموانئ الدولية والإقليمية..!!
:: وبالمناسبة، الموانئ المصرية المسموح لبلادنا استخدامها تديرها شركات، وليست الحكومة.. ما الذي يمنع تطوير موانئ بلادنا بالقطاع الخاص كما تفعل الدول، بما فيها العظمى؟ ولماذا التوجُّس من الشركات؟.. فالشاهد أن الصوتّ الرافض لإشراك القطاع الخاص في تشغيل وإدارة الموانئ هو (الأعلى)، والحكومات دائماً ما تخشى هذه (الحلاقيم)، رغم قناعتها بأن تحرير التشغيل والخدمات هو الحل لتجاوُز كل أنواع الفشل والعجز والتردي بكل القطاعات، بما فيها قطاع النقل..!!
:: وهناك قانون سلطة الموانئ البحرية لسنة 2018، وبموجبه نال هيئة الموانئ السلطات الرقابية والسيادية.. ومع هذه السلطة الرقابية والسيادية كان يجب طرح عطاء وإفساح المجال لشركات القطاع الخاص، بكل شفافية، لتطوير التشغيل والخدمات بالموانئ.. فالحكومةُ لا تُدمِن غير الترهُّل والفساد، ولكن شركات القطاع الخاص تُتقِن التشغيل وتطوير الخدمات، ولا تسمح بتحويل الموانئ إلى (نظارة) أو منصات حزبية، بحيث يغلقها العمال – بين الحين والآخر – بأمر الأحزاب والعُمد والنظار، فتتكدّس الحاويات..!!
:: لقد تأخّر فصل الرقابة والإشراف عن الخدمات والتشغيل بالموانئ، وكان يجب أن يتم هذا الفصل قبل هذا التردي.. فالشركات هي التي نهضت بموانئ الدول التي من حولنا، بما فيها الموانئ المصرية المسموح لنا استخدامها (العين السخنة).. لو أتقنت الحكومة الرقابة والإشراف، فإن الشركات تُتقِن تشغيل وتطوير الخدمات، كل ميسر لما خلق له.. ولنا تجارِب ناجحة، ومنها خدمات الاتصالات، إذ هي إحدى ثمار تقزيم السلطة الحكومية لحد الاكتفاء بالإشراف والرقابة..!!
:: ولأن الغاية هي التطوير، ليس هناك ما يمنع استيعاب شركات ذات كفاءة للخدمات والتشغيل بالموانئ، كما تفعل الدول المُتحضِّرة.. فالاقتصاد الحديث يتكئ على تقزيم سلطات الحكومات وتضخيم سلطات الشركات.. ولكن في بلادنا، بذات العقلية التي تسببت في انهيار الاتحاد السوفيتي، لن يكون مُدهشاً إنشاء هيئات حكومية لبيع الشاي والقهوة للمارة، أو الفول والطعمية لطلاب المدارِس.. على صُنّاع القرار عدم التوجُّس من كل أنواع التغيير..!!
:: ومن التغيير المنشود أن تكتفي الحكومة بالتشريع والرقابة والإشراف، وتُفسِح مساحات الإنتاج والخدمات والتشغيل لشركات القطاع الخاص.. وعاجلاً يجب إطلاق سراح كل موانئ السودان من قيود الإنتاج المُسمّاة بالسلطات الحكومية، بحيث تكتفي الحكومة بالمهام الرقابية والسيادية.. فلتكن شراكة أو خصخصة أو إيجاراً، فالاسم ليس مُهمّاً.. فالمهم أن تكون لدينا موانئ، حتى لا نتسول بلادنا الآخرين حتى الموانئ، أي كما نتسولهم القمح والوقود والأفران..!!