اليكم _ يتكلم لا إرادياً..!! _ الطاهر ساتي
ذات عام، اجتمع كبار القرية لمناقشة تكاليف الموسم الزراعي.. أحدهم – وكان معروفاً بالرأي الأشتر – قطع حبل أفكارهم مقترحاً: (ح يحصل شنو يعني لو السنة دي خلينا الزراعة؟)، قالها بمنتهى اللا مبالاة.. فاستاء الجميع، وكالوا له من السب والشتم ما كالوا، واقترحوا طرده من الاجتماع، ليرفض حكيم القرية قائلاً: (ما تزعلوا، خلُّوه يتكلم، دا النوع البيفتح خشمو عشان الكلام يجي مارق براهو)..!!
:: وبعض الذين نسميهم بالمسؤولين لا يختلفون عن صاحب ذاك (الرأي الأشتر)، إذ يفتحون أفواههم، لتخرج منها التصريحات (لا إرادياً)، أي كيفما اتفقت كلماتها ومعانيها، وتوثقها وسائل الإعلام ثم تنشرها (كما هي)، فيدفع الوطن ثمن (التصريح الأشتر).. وعلى سبيل المثال، من تصريحات الأمس، ما يلي بالنص: (يمكننا التفاوض على إمكانية استغلال المزارعين الإثيوبيين للأراضي السودانية)، فيصل محمد صالح، المتحدث الرسمي باسم حكومتنا..!!
:: ليته سكت، بدلاً من أن يتكلّم (لا إرادياً)، وهو – كما ذكرت – نوع من الكلام الذي يتكلم به صاحبه بغير تفكير، أي يفتح فمه ليخرج منه (أي كلام).. دموع أبناء شُهداء معارك الفشقة الصغرى لم تجف بعد، ولا دماء جرحى معارك الفشقة الكبرى، ولا عرق الفرسان بجبل أبو طيور.. كل هذه التضحيات لم تجف دماء أبطالها وعرقهم ودموع أسرهم، ومع ذلك لم يجد فيصل من التصريحات ما يدعم بها هذه التضحيات غير تلك القاصمة لظهر الجيش..!!
:: الأرض السودانية بالفشقة ليست بمنطقة نزاعٍ بين البلدين، بحيث يكون هناك تفاوض حول استغلال المزارعين الإثيوبيين، أو كما يتوهّم المتحدث باسم الحكومة، بل هناك اتفاق على المرجعيات والخرائط التي تثبت ملكية السودان للأرض، وكذلك لم تزعم الأنظمة التي تعاقبت على حكم إثيوبيا بتبعية هذه المنطقة، بما فيها حكومة آبي أحمد.. هي أرض سودانية، ويجب تحريرها بالكامل..!!
:: وبعد تحريرها بالكامل، ثم رسم الحدود، ليس هناك ما يمنع حكومة بلادنا عن التعاون مع إثيوبيا في الاستثمار وتبادل المنافع، بحيث يكون العائد حدوداً مثالية تساهم في استقرار مُجتمعات البلدين.. فالاستثمار فيها بعد تحريرها ورسم حدودها، وحسب القوانين السودانية، وليس الآن ولا بالتفاوض السياسي، أو كما تسعى إثيوبيا ومليشياتها والمتحدث الرسمي باسم الحكومة السودانية..!!
:: فالحديث عن التفاوض مع المعتدين قبل استرداد الأرض يعني إيقاف الجيش عن أداء واجبه، ويعني الاعتراف بحق المعتدين في الأرض، فكيف فات هذا على فيصل؟.. قد لا يعلم فيصل أن أكبر مستثمر في الفشقة هو السيد دمغي مكنن، نائب رئيس الوزراء الإثيوبي، والذي جاء إلى الخرطوم – مهرولاً – ليحمي استثماره بالتفاوض ثم بالتخدير المسمى لجنة ترسيم الحدود.. وقد لا يعلم أن جنودنا في جبل أبو طيور يتعرضون للقصف المدفعي من عمق الأراضي الإثيوبية، بأمرهذا القادم للتفاوض..!!
:: وعليه، فالقضية التي أجبرت جيشنا على خوض معارك الفشقة (قضية عادلة)، ولذلك يقف معه الشعب في (خندق واحد)، وهو خندق الدفاع عن البلاد واسترداد أرضها من المليشيات الإثيوبية.. ومعارك استرداد أرض السودان بالفشقة هي قضية المرحلة، وليس التفاوض حول استغلالها، فليكن المتحدث باسم الحكومة مواكباً لقضية المرحلة بالتصريحات الدعمة للاسترداد، بدلاً من مساعدة المعتدين بالكلام اللا إرادي..!!