-١-
إعادةُ الحصانة للدولة السودانية من المُلاحقات القانونية الأمريكية المتعلقة بالإرهاب، تطورٌ مهمٌّ يستحق الاحتفاء به.
يُضاف ذلك إلى الخطوةُ الأهم، وهي رفعُ السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.
صحيحٌ أن النزوع التجاري المتوحش للرئيس الأمريكي دونالد ترمب فرض تكلفةً سياسيةً واقتصاديةً باهظةً مقابل حصول السودان على حقوق طبيعية.
مع ذلك بحسابات الربح والخسارة ما سيتحقق للسودان جراء ما تم أكثر نفعاً وأعمُّ فائدة، إذا قُورن بالثمن الذي تم دفعه تحت الضغط والابتزاز.
-٢-
ما يُثير القلق تصويرُ البعض لهذه الخطوة باعتبارها حبلَ السيارة لإخراج السودان من جُبِّ الأزمات.
من المهم تأكيدٌ، بأن الجدوى المترتبة على تلك القرارات لن تتم أو تكتمل إذا لم تتوفر معطياتٌ داخليةٌ أساسية.
أهم هذه المعطيات وجودُ توافقٍ وانسجامٍ بين مكونات السلطة القائمة على الأقل في تحقيق المصالح العليا للدولة.
ولا يقل أهميةً عن ما سبق تقليلُ حدة الاحتقان والاستقطاب في الساحة السياسية الوطنية.
-٣-
كتبنا مراراً : يجب ألا تُلقي الحكومة بفائضِ ثقةٍ على الدول الغربية لحل المشاكل السودانية، فهم ليسوا جمعياتٍ خيريةِ ولا رجالاتِ برٍّ وإحسان.
حلولُ أزمات السودان تبدأُ بالسودان، لا من عواصم (البِيضان)!
حينما خرج أبو يزيد البسطامي من دياره يطلب الله، ناداه هاتفٌ من السماء يقول له: “يا أبا يزيد إن إلهك الذي خرجت تبحث عنه قد تركته وراءك في بسطام”.
-٤-
للأسف من الواضح من خلال المتابعة أن قرارات الانفتاح الخارجي والخروج من العزلة، أشعلت الاستقطابَ بين مكونات الفترة الانتقالية العسكرية والمدنية.
لا يغيبُ عن متابعٍ أن الصراع بين المكونين أصبح يُدار بصورة سافرةٍ في وسائل الإعلام التقليدية والحديثة.
فموضوعُ رفعِ اسم السودان من قائمة الإرهاب أصبح عنصرَ تجاذبٍ بين الطرفين: هل يعود فضلُ الانجاز للمدنيين أم العسكريين؟!!
وحينما يبدأ التراشقُ بين مكونات السلطة في المنابر العامة والمفتوحة علينا ربطُ الأحزمة والاستعداد للأسوأ.
-٥-
الصراع تمدَّد على أوسع من ذلك، من الواضح أن العنصر المدني يُراهن في الضغط على المكون العسكري بالبعثة الأممية القادمة، وبقانون دعم الانتقال الصادر من الكونغرس الأمريكي.
والمكونُ العسكري يريد تحقيقَ مكاسبَ خارجيةٍ في العمق الغربي عبر الانفراد بمشروع التطبيع مع إسرائيل.
-٦-
اشتدادُ هذا الاستقطابِ وتصاعدُ وتيرته سيُضعف فرص الاستفادة من قرار رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب!
بل سيُسهم في فتح ثغراتٍ في البناء الوطني تسمح بتسلِّل التدخلات الأجنبية الاستخباراتية وهروب وإهدار الفرص المتاحة.
ما هو غير قابل للتجاوز أو التساهل:
لا توجد قوىً سياسيةٌ أو عسكريةٌ بإمكانها فرضَ إرادتها على الآخرين.
الصورة الأوضح:
مراكزُ القوى متعددةٌ ومتقاربةٌ من حيث عوامل القوة والضعف.
لا يوجد واحدٌ صحيحٌ في المعادلة.
-أخيرا-ً
انتبهوا أيها السادة:
كلما اتسعَ رتقُ فاقدِ الثقةِ بين الأطراف السودانية، تمدّدتِ الأصابعُ الخارجية، لتعبث وتبيع وتشتري، وتحدِّدُ مكان الوطن في خارطةِ الجحيم.
انهيارُ الفترة الانتقالية يعني، بصورةٍ عملية سقوطَ سقف الوطن على رؤوس الجميع، المُؤيِّدين والمُتربِّصين والشامتين ومن يقفون على الحياد