لا يُوجد عاقلٌ أو إنسانٌ سوّ ِيٌ كامل الأهلية والوطنية، يرضى الانتقاص من جيشه وقواته المسلحة وما يفعل ذلك إلا خائنٌ أو عميلٌ يبيع شرف وطنه بحفنة من الدولارات لن تنفعه ساعة الحساب القادمة لا محالة!!
نعم من مهام الجيش، حراسة الثغور والحدود، وحماية الوطن من الأعداء وليس الحكم، لكن وبكل صراحة فإننا كإحدى دول العالم الثالث لم نصل بعد مرحلة الوعي والقدرة على إدارة شؤون بلدانها بمدنية خالصة، لأن طبيعة هذه البلدان تختلف في انتماءاتها وثقافاتها، فنحن ما زلنا بعيدين كل البُعد عن المدنية التي نحلم بها وننشدها، لأن الحكام والمعارضين يعملون في خطين متوازيين لن يلتقيا أو يتفقا حتى من إجل الوطن، فإيٌّ منهما يُحاول إضعاف خصمه وإرهاقه وإن كان ذلك على حساب تدمير مؤسسات الوطن الغالي!!
ظلّت القوات المسلحة السودانية عبر تاريخها الطويل، تقدم التضحيات الجِسَام، وتذود عن حياض الوطن، بل وتعدّت تضحياتها المشاركة في الحروب الخارجية، فقد رأينا دورها في حرب أكتوبر المصرية حين شاركت بضباط وجنود، إسناداً للقوات المسلحة المصرية عندما استنجدت بها، وغير ذلك من المشاركات، حيث ساهمت قواتنا المسلحة الباسلة في بناء عدد كبير من جيوش دول الجوار ودول الخليج البترولية، التي تسعى الآن للسيطرة على كل الدول من حولنا ونحن لسنا استثناءً.
تاريخٌ طويلٌ وعريضٌ تحفل به قواتنا المسلحة، فهي الجيش الذي لا يخون أبناؤه، وتابعنا كيف أن جيشنا جيش الهناء قد فتح ذراعيه لإبنائه خلال ثورة ديسمبر المجيدة عندما توجّه إلى القيادة العامة، طالباً من قيادة الجيش حمايته ودعم ثورته ضد النظام السابق وقد كان له ما أراد، حيث استجاب ضباط الجيش الأحرار الوطنيين للنداء، وحرسوا ثورة الشباب، بل وساهموا في اقتلاع النظام السابق، رغم أن الرئيس المقتلع يحمل رتبة المشير ويرأس جميع من ساهموا في اقتلاعه، ومع ذلك انصاع شرفاء الجيش لتعليمات الثوار وليس قائده العام حينها.
دخل قادة الثورة حينها في حوار مع قيادة الجيش، وشكّلوا ثنائية متميزة انتهت بتكوين أول حكومة انتقالية لسودان ما بعد الإنقاذ، وكانت ضربة معلم إعطاء الجيش والقوات النظامية جزءاً من حقه ورد الجميل له، بان اُختيرت مجموعة من قادته لتكون ضمن مجلس السيادة الانتقالي وقد كان، إذ ساهم جنرالات الجيش في تشكيل حامٍ للثورة وضامن لاستقرارها وحمايتها من الثورة المضادة، رغم ما تعرّض له بعض قادة الجيش من استفزازات غير مَسبوقة، لكنهم صبروا من إجل عيون الشعب السوداني الذي يستحق العيش الكريم والحياة الآمنة الرغدة
لولا وجود جنرالات الجيش ووقوفهم مع الثورة ودورهم الكبير الذي ما زال يلعبونه، لانقض أذيال النظام البائد على الثورة بثورةٍ مُضادةٍ، كان سيدفع ثمنها المواطن المسكين المغلوب على أمره.
الآن خلافاً لأيِّ وقتٍ مضى، يحتاج جيشنا للدعم المعنوي والإسناد الشعبي من الشرفاء والوطنيين، ولا مكان للعُملاء والخونة، من أجل القيام بدوره كاملاً في ظل معاركه على الحدود، خاصّةً مع إثيوبيا التي دفع فيها دم عدد من أبنائه ثمناً، فضلاً عن مساهمته في تكملة دوره والعبور بالبلاد إلى بر الأمان، في ظل الأزمات والتحديات التي تعيشها حكومة الثورة.
لا صوت الآن يعلو على صوت قواتنا المسلحة، فيجب إبعاد كل الخَوَنَة والمُرتزقة، الذين يسعون لهدم وإضعاف أعظم مؤسسة يُراهن عليها الشعب من أجل تحقيق مصالح شخصية ودنيوية زائلة، كما ينبغي محاسبة كل من تسوّل له نفسه المساس بجيشنا والانتقاص منه مهما علا شأنه.
المعركة الآن ليست لتصفية الحسابات، وإنّما التعاون بين شركاء الفترة الانتقالية.. فالبلاد لا تحتمل أكثر مما هي فيه الآن، لذلك ينبغي حسم كل من يُحاول أن ينتاش من القوات المسلحة السودانية إو التقليل من دورها، ومن ثم الحديث عن بناء أو هيكلتها، فالبناء يحتاج لوقت والمزيد من الصبر حتى يُنجز.