همس الحروف _ حكم من يقتل الناس بتوسيع دائرة كورونا _ الباقر عبد القيوم علي
الجهل وقلة الإمكانات والفقر وضعف التدابير والاحترازات الكافية مع عدم اعتراف الشارع بالجائحة، تحاصر بسطاء السودان وتزيد من مخاوفهم، في ظل عدم توفر مراكز حكومية مجانية للعزل، وعدم اكتراث وزارة الصحة التي ينحصر جل اهتمامها فقط في رفع التقرير اليومي الذي يوضح عدد الإصابات والوفيات وبصورة غير دقيقة، لأنها لا تمتلك الإحصاءات الكافية، وهذه تصعب الأمور تدريجياً وتسوق الى الموت في ظل هذا الغلاء والارتفاع الجنوني لأسعار العلاج في المستشفيات الخاصة الذي بات يشكل مهدداً آخر للصحة العامة بشكل مخيف، مع التزايد غير المسبوق في ارتفاع أعداد الإصابات وكذلك الوفيات بصورة تستدعي التوقف عندها، إذ ترجع هذه الزيادة وبهذه النسبة نتيجة اتساع رقعة انتشار الجائحة التي وجدت الأرض الخصبة التي تساعد في تفشي المرض بقلة التحوطات في التعامل مع جنائز الذين قضي نحبهم بهذا الداء عند تجهيزها ودفنها، وكذلك استدعاء ذوي الموتى للجيران والأصدقاء من أجل حضور الدفن في سلوك أناني منهم وهم يخفون عن الحضور الأسباب الحقيقية التي ساقت للوفاة، ولجهلهم بالنتائج التي ستترتب من جراء ذلك، واعتبار بعضهم أن الموت بهذا المرض (عيب) يجب ستره، ولهذا يتعمدون لإخفاء المعلومات ومحاولة تغيير التسباب الحقيقية التي أدت إليه، فنجدهم يقيمون مراسم العزاء في بيوتهم من أجل رفع شبهة سبب الموت عن ذويهم (بكورونا)، مع علمهم التام بأن السبب الذي أدى إلى الوفاة كان نتيجة هذا الداء، فنجدهم يتعمدون دفنه بصورة اعتيادية كأنها وفاة طبيعية.
فالذين يحملون فايروس هذا الداء اللعين أو احتمال أن يكونوا مصابين به وإن لم تظهر عليهم أعراضه ويصرون على مخالطة الناس عمداً بسعيهم في إخفاء المعلومات عن الذين يتعاملون معهم تعاملاً مباشراً، بالرغم من علمهم التام بإصابتهم أو مخالطتهم لمصابين، وقد ترتفع عندهم احتمالية الإصابة نتيجة تلك المخالطة مع إدراكهم التام بمدى خطورة ذلك، فيشكلون بهذا السلوك الأناني والمنحرف مهدداً خطيراً على صحة المجتمع لغياب ضمائرهم، فيحتمل أن يعبر الفايروس منهم الى الأصحاء الذين قد يسوقهم ذلك إلى فقدان نعمة الحياة (بالوفاة) جراء هذا الداء الذي انتقل إليهم نتيجة تغييب المعلومة عنهم بإخفائها المتعمد، ولهذا يعتبر كل من يقوم بمثل هذا العمل الجبان (قاتلاً شرعاً) وهذا الحكم عند أغلب أهل العلم، لأن هذا الفعل يدخل في باب السلوكيات التي يحرمها الدين الإسلامي والتي نهى عنها، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار).
فمن أخطر الكوارث التي تهدد أمن هذا المجتمع هي التعامل مع هذه الجائحة بالجهل واللا مبالاة وعدم الاكتراث بما يسلكوه في التعامل معها بقلة التحوطات، وخصوصاً في بيوت العزاء التي تكون الوفاة فيها بسبب (كورونا)، والتي كان يجب فيها على مخالطي المتوفي عدم الاختلاط بسائر الناس حتى لا يكونوا سبباً في نقل المرض إليهم، وكان يجب عليهم منع المعزين من الحضور من أجل مشاطرتهم الأحزان.
فإخفاء المعلومات عن سبب الوفاة تترتب عليه أضرار جسيمة بالمعزين بشكلٍ خاص، و كذلك الإضرار بالدولة وأمنها الصحي والاقتصادي بشكل عام مما يعطّل مصالح البلاد نتيجة التهاون بحجم هذه الكارثة وبإخفاء الحقائق عن الناس وتضليلهم بإعطاء معلومات تخالف الحقيقة، وكان من الواجب أن تتوفر عندهم الشفافية واختصار الدفن في أقل عدد ممكن بعد اتخاذ كافة التحوطات والتدابير الصحية التي تقلل نسبة الإصابة، وبعد ذلك يجب عليهم حجر أنفسهم بعذ الدفن مُباشرةً وعدم مخالطتهم للآخرين.
فنجد أن الدبن الإسلامي قد تشدد في مثل هذه الأمور، واعتبر أي فرد يعلم أنه مصاب بمرض معدٍ ولم يقم بالتحوطات الكافية التي تضمن سلامة المجتمع الذي يعيش فيه وقد يتسبب في موت غيره من جراء نقل العدوى إليه يعتبر (قاتلاً) وتجب عليه الدّية إذا حدث ذلك مع الكفارة بصيام شهرين متتابعين، ويتكرر ذلك الحكم بعدد كل من يتسبب في موتهم لقوله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا) (سورة النساء: الآية 92).
ولذلك يجب على كل من كان مصاباً بهذا الفايروس الخطير (كورونا) أو كان مشتبهاً بإصابته به، أن يبادر بحجر نفسه مع اتخاذ كل الخطوات الصحيّة اللازمة لحفظ صحته ونفسه، وتجنيب الآخرين خطر انتقال العدوى إليهم، ومن يخالف ذلك فهو آثم شرعاً ويستحق عقوبة الدنيا التي تفرضها الدولة، وكذلك تنتظره عقوبة الآخرة، فإن نجا من الأولى فلن ينجوَ منها في الآخرة ما لم يتب توبة نصوحة ويكفر عن ذلك، وحمانا الله وإياكم من الإصابة بهذا الداء اللعين وأن يرحم موتانا وسائر موتى المسلمين.