ما هو إحساسك وأنت تفقد حقك (المحرز) بدون علمك من أمامك، وحينما تسأل عنه، تجد نفسك ما كان لك الحق في هذا السؤال لأن جميع من حولك يكذبون روايتك، فمن أصعب الأشياء فقدان الحق وتكذيب صاحبه كما يقول المثل الشعبي (ميتة وخراب ديار).
بالمركز الثقافي في مدينة أبوظبي بالإمارات، تم عرض فيلم وثائقي للخطوط الجوية البريطانية في ستنيات القرن السابق، يوثق لأبرز ملامح ثقافات الشعوب التي يصل إليها أسطولها العملاق، ومن ضمن الشهادات التي نالها السودان في هذا الفيلم هي (شهادة الأمانة المطلقة)، حيث يتم تنبيه ركاب الطائرة المتجهة إلى الخرطوم أثناء عملية الهبوط التدريجي نحو مطارها الدولي بأن هذه الطائرة سوف تهبط بعد الزمن المعلن على مُدرّج مطار أكثر عواصم العالم أماناً، حيث يمكن لركاب الترانسيت عدم القلق على أمتعتهم حين انشغالهم بتكملة إجراءات التحويل إلى الطائرات الأخرى التي تقلهم إلى وجهاتهم المقصودة، ويا ترى ماذا حدث الآن؟! إذ أصبحت هذه الأمانة مشكوكاً فيها، وصار مثل هذا التنبيه يدخل الرعب والذعر والقلق للمسافرين حينما يتم إعلان الهبوط إلى بوابة السودان الكبرى للعالم الخارجي وواجهته الأولى أمام المواطنين والزُّوّار من الأجانب وهي (مطار الخرطوم الدولي).
اختفاء المتعلقات القيِّمة والثمينة من أمتعة المسافرين بمطار الخرطوم أصبحت ظاهرة خطيرة تؤرق كل صاحب ضمير حي وذلك لازدياد الشكوى المتكررة حولها في هذا الصدد من هذه الظاهرة، التي تُعد من أكثر الجرائم التي تفقد الثقة في البلد بأكملها والتي اشتهر بها مطار الخرطوم تحديداً على الصعيد الإقليمي، إذ يتم بين الفينة والأخرى ارتفاع أصوات الضحايا وتداول مقاطع فيديوهات بمواقع التواصل الاجتماعي من داخل المطار التي تناقلتها بعض القنوات الفضائية العربية، لتُوصف للعالم أجمع حجم الكارثة التي يشتكي منها الضحايا، عندما يتفاجأون أن أمتعتهم الشخصية قد تعرّضت للتفتيش الدقيق وضياع الثمين منها، وهذه الظاهرة الشائنة تقع تحت مسؤولية مدير عام سلطة الطيران المدني مباشرةً، والذي بات يكذب هذه المزاعم التي تتهم موظفي المطار بسرقة مُحتويات أمتعتهم.
في مطار إحدى العواصم العربية، نصحني موظف الخطوط وكان هندي الجنسية ومن الطائفة الهندوسية، والذي استقبلني بابتسامة عريضة على وجهه حتى لا يثير غضبي عندما وضعت أمتعتي على الميزان، وقال يا أستاذ: (أذهب وأعمل تغليفاً جيداً لأمتعتك حتى لا تتم سرقتك في مطار الخرطوم، وبحديثه هذا وضعني في مطب شديد الوعودة وكماشة يصعب الفكاك منها!! وتركني في حيرة ما بين أن أنفي ذلك الخبث عن دولتي، وأرد عليه برد يليق باتهامه من أجل استعادة شرف سُمعة بلدي التي سُلبت، أو أن أعمل بنصيحته وأقوم بزيادة حرصي على متعلقاتي الشخصية وحمايتها بالتغليف من السرقة.. وبهذه النصيحة الثمينة والتي تعتبر غالية جداً لأي مسافر كانت وجهته مطار الخرطوم، وبهذا يكون قد نعى لي أخلقيات مواطني بلادي، وهذه هي سُمعتنا الآن في المحيط العربي والأفريقي، ويمكن أن يكون الدولي إذا لم أبالغ في وصف ذلك.
هذه الظاهرة الخطيرة تُعد جريمة عظيمة وفضيحة كبرى للسودان وعموم السودانيين، وسوف تضر ضرراً بليغاً بالاقتصاد الوطني والسياحة وكما ستفقد ثقة الموطنين في بوابة دولتهم وتشين بسُمعة البلد في وسط الأجانب الزائرين أو المُقيمين وكذلك الدبلوماسيين، ولهذا يجب على السيد مدير عام سلطة الطيران المدني أن يُملِّك الرأي العام رداً شافياً وكافياً وعاجلاً، يحدد فيه وعلى وجه السرعة والدقة، مُلابسات هذه القضايا، وذلك بتحديد هوية السارق الذي يقوم بهذا العمل الجبان وفي أي موقع وكيف؟ وألا يتركنا على ردود مدير جمارك مطار الخرطوم الذي قد لا يعنيه هذا الأمر لا من قريب أو من بعيد، والذي قام بالتصريح بأن معظم هذه السرقات وأشار إلى نسبة (99%)، مؤكداً بتصريحه هذا وبضخامة حجم هذه النسبة، مدعياً أن هذه السرقات تتم في مطارات بعينها ولم يسمها، بالرغم من أن موظفي تلك المطارات يشيرون إلى حدوث هذه الجريمة في مطار الخرطوم، ويمكن أن يكون ذلك من أجل أن ينفي هذه السمعة عن منتسبي الجمارك أو غيرهم، وفي هذه الحالات يعتبر مثل هذه التصريحات غير دقيقة وكذلك غير موفقة.
وعليه اقترح بأن يقوم مدير عام سلطة الطيران المدني بتوضيح هذه الملابسات لتثبيت النزاهة أو نفيها، وحتى تعود الثقة المسلوبة إلى هذا المطار العريق يجب أن تقوم سلطة الطيران المدني بتعيين طواقم إعلامية تقوم ببث حي ومباشر يتابع نزول العفش من داخل جميع الطائرات حتى وصوله إلى صاحبه في شاشات عرض كبيرة يتابعها المسافرةن من داخل صالات الوصول، وعند العجز عن ذلك يجب أن يتم إنزال العفش تحت الطائرة مباشرة، وعلى كل راكب أن يقوم بأخذ أمتعته من ذلك المكان ويتوجه به إلى صالة الجمارك.. فيا سلطة الطيران المدني أسترونا من هذه الفضائح التي لا تُليق بشعبنا يستر الله عليكم.