اهتز الشارع السوداني أمس البارحة، على جريمة مروّعة ليس كسابقاتها، إذا تُعد الأولى من نوعها والسابقة المُخجلة لوحدة حماية السفارات والبعثات الدبلوماسية بالشرطة السودانية، وتشكل أسوأ أنواع القرصنة التي أثارت صدمة مجتمعيّة وأمنية كبيرة، وخلّفت استياءً شعبياً غير مسبوق، وخصوصاً بعد ارتفاع معدل الجرائم التي ينتحل فاعلوها الصفة العسكرية، والتي سوف تخلف سُمعة سيئة الصيت على الصعيد الدولي، وتعتبر سابقة خطيرة جداً توصف حالة السيولة الأمنية التي تتسارع الخطوات إليها بعجلة متواترة، وهذا ما يؤكد عُمق الأزمة التي تضرب بأطنابها في عمق الدولة السودانية، وتصف حجم الضعف الاستراتيجي في مكافحة الجريمة، التي فتحت شهية المجرمين في تجاوز واضح لجميع الخطوط الحمراء، نسبةً لتراخي الدولة في فرض هيبتها، والتي باتت متفرجة حالها كحال الشعب تتفاجأ معه يومياً بتعدُّد مسارح الجريمة التي ترد إليها عن طريق الخبر، لخروج نوعية هذه الجرائم عن نطاق الكم والسيطرة.
الجريمة التي شكّلت فضيحة كُبرى، كشفت عورة النظام الأمني في أعرق عواصم العالم (الخرطوم) والتي كانت تُوصف بأنها الأكثر أماناً، والتي وصفت حجم واتساع التطور النوعي للجريمة، التي منحت المجرمين الجرأة الزائدة لدرجة الطمأنينة في التعدي على البعثات الدبلوماسية، التي سوف يكون لها مردودها السلبي على الصعيد الدولي، الذي يمكن إن يضع السودان في قائمة الدول غير الآمنة، مما سوف ينزع فتيل الأمن والأمان الذي كان يشعر به الأجانب في السودان، وخُصُوصاً البعثات الدبلوماسية التي كانت لا تجتهد كثيراً في التحوُّطات الأمنية لحماية مقارها وأفرادها.
فما حدث من جريمة غريبة على هذا المجتمع المسالم، يعتبر أمراً عظيماً ومُرعباً، بالرغم من أنه مرّ مُرور الكرام على معظم أفراد هذا الشعب كخبرٍ عابرٍ، لم يتوقّف الناس عنده لكثرة نوعية مثل هذه الجرائم التي تقع تحت تهديد السلاح أو من مُنتحلي صفة القوات النظامية في هذه الأيام!
والسؤال الخطير الذي يفرض نفسه: (إذا سلمنا بانتحالهم للصفة فهل الكلاشنكوف الميري أيضاً منتحل؟)، والشاهد على ذلك، الجرأة لهذه العصابات، ومنها على سبيل المثال لا الحصر تلك التي كانت تنتحل الصفة العسكرية بقيادة ضابط كان يحمل زُوراً رتبةً رفيعة بالجيش السوداني، وقد قاموا باقتحام (السفارة الأوكرانية) وهم مُدجّجون بأسلحة نوعية، وأحدثوا ذُعراً يصعب وصفه قبل وبعد نهب أموال دبلوماسيي السفارة والعاملين بها!!
ما يُثير دهشة المُواطن السوداني ليس الجريمة في حد ذاتها بالرغم من غرابتها وفظاعتها، ولكن غياب ظهور دور الشرطة ومباحثها المركزية ودور إدارة حماية البعثات الدبلوماسية هو الذي استنطق هذه الدهشة العظيمة، والتي قامت بالنيابة عنها استخبارات الدعم السريع في اكتشافها وتحديد موقع المُجرمين وضبطها والتعامل في حسمها بكل الوسائل الممكنة وغير الممكنة، ولو لا لطف الله على عباده وسماحة القدر، لخلّفت ضحايا كثراً في وسط المواطنين الآمنين من جرّاء تبادُل إطلاق النيران الكثيف في الشوارع والطرقات بالقرب من مسجد السيدة سنهوري، مخلفاً إصابات بين الطرفين حسب ورود الخبر.
التطوُّر النوعي في الجريمة الحديثة بالسودان وارتفاع معدلاتها بذات الحداثة التي طرأت عليها، وخصوصاً بعد ارتفاع كمها وتشابه إحداثيتها، والتي تتم غالباً بواسطة مُنتحلي صفة القوات النظامية، الشئ الذي أدى إلى ارتفاع القلق وسط المواطنين، ولذلك نجد أن الأصوات المُنادية بضرورة تشديد العقوبات الجزائية التي تردعها في ارتفاع شديد ينادي بحسمها، مع وجوب إنفاذ حكم القصاص الميداني في مرتكبي مثل هذه الجرائم التي تُشكِّل حرابة على المجتمع، وخصوصاً أن البحوث الأمنية الحديثة في مجال سوسيولوجيا الجريمة ومقاربات معالجتها، بات يقرّ بخطورة هذه التحوُّلات الخطرة التي طرأت في حداثة نوعيتها وتطور أدواتها، ولهذا يجب على الجمعيات الحقوقيّة ومنظمات المجتمع المدني دعم الخطوة التي تؤيد بتر مثل نوعية هذه الجرائم الخطرة بأعنف وسائل البتر، ولا تأخذها أدنى معدلات الرأفة الإنسانية فيها، لأنها أصبحت خطراً يُروِّع أمن المواطنين، وكما ستفقدهم الثقة في كل القوات النظامية، مما سيجعلهم ضدها بعدم الانصياع لأوامرها عند الطلب، لأن الشعب بات يتملّكه الشك الذي يندرج تحت مظلة (قد تكون هذه القوات منتحلة للصفة) وهذا في حد ذاته يشكل ظاهرة خطيرة، ولذلك يجب السعي في نفيها بأي وسيلة كانت، وتنظيف قالبها من الدنس الذي لحق بسُمعة هذه المؤسسات، وكذلك من الممكن أن يخلق تشويشاً على سُمعة الدولة في الخارج، ولهذا يجب زيادة جرعة الحسم حتى تستطيع الدولة فرض هيبتها وبسط الأمن وإشاعة الأمان في ربوع هذا السودان.