للعطر افتضاح _ التسوي بي إيدك! _ د. مزمل أبو القاسم
عن ماذا نتحدث عندما نردد مُسمَّى قوى الحرية والتغيير حالياً؟
في ما مضى كان الاسم يشير إلى الحاضنة السياسية للحكومة الانتقالية، بمكوناتها الخمسة الكبيرة، وأولها قوى نداء السودان التي تضم الجبهة الثورية، وحزب الأمة القومي، والمؤتمر السوداني، والتحالف السوداني (عبد العزيز خالد)، والبعث السوداني، والوطني الاتحادي.
ثاني الكُتل الخمس قوى الإجماع الوطني، التي تضم أحزاب الشيوعي والناصري والبعث الأصل والاتحادي الموحد (بجناحيه)، وثالثها تجمع المهنيين، ورابعها الاتحادي المعارض، وخامسها تجمع القوى المدنية.
تفتت الجسم الكبير إلى أجزاء، حيث (فرزت) الجبهة الثورية (عِيشتها) من نداء السودان، ودخلت في حوار طويل، أفضى إلى توقيع اتفاق سلام في جوبا، كما أقدم حزب الأمة القومي على تجميد عضويته في هياكل قوى الحرية والتغيير، بينما انسحب البعث السوداني والتحالف الوطني السوداني منذ شهر فبراير الماضي.
في الكتلة الثانية انسحب الحزب الشيوعي رسمياً من قوى الحرية والتغيير، وتحول إلى معارضٍ صريحٍ، بينما انقسمت الكتلة الثالثة (تجمع المهنيين)، وتحولت المجموعة التي فازت في الانتخابات الداخلية للتجمع إلى المعارضة، ونشب خلاف بين عدد من مكونات الكتلة الرابعة (تجمع القوى المدنية).
تفرقت قوى الحرية والتغيير أيدي سبأ، بعد أن ضربتها الخلافات، وأوهتها الانشقاقات، وسادها التشاكس، لتنتبه بعد فوات الأوان إلى حقيقةٍ موجعةٍ، مفادها أنها ما عادت تشكل الحاضنة السياسية الوحيدة للحكومة، بعد أن دخلت الجبهة الثورية على الخط بموجب اتفاق سلام جوبا، وطارت طيورها بأرزاقها، لتنشأ حاضنة جديدة، يمثلها مجلس يحمل اسم (شركاء المرحلة الانتقالية)
مجلس مسنود بنصٍ واضح لا لبس فيه ولا جدل، دخل على الوثيقة الدستورية بموجب اتفاق سلام جوبا، إذ نصت المادة (80) على تكوينه، وحددت صلاحياته، وحصرتها في حل التباينات التي تنشأ بين الأطراف المختلفة، وخدمة المصالح العليا للسودان، وضمان نجاح الفترة الانتقالية.
تم الاتفاق على تعديل الوثيقة في الشهر الماضي، وبموجبه مُددّت الفترة الانتقالية، وتم تعديل طريقة تكوين مجلس السيادة، وإعادة توزيع حصص المجلس التشريعي، ومجلس الوزراء، حيث نالت الجبهة الثورية ثلاثة مقاعد في السيادي، وحصلت على رُبع أعضاء المجلس التشريعي تقريباً، ونالت ست وزارات في مجلس الوزراء.
الوثيقة ذاتها نصت على تكوين مجلس شركاء المرحلة الانتقالية، وأصبح اتفاق سلام جوبا جزءاً لا يتجزأ من الوثيقة الدستورية، التي عُدِّلت فعلياً، وتم نشر تعديلاتها في الجريدة الرسمية، فما الذي جدَّ على المشهد السياسي كي ترفع الحرية والتغيير عقيرتها بالاحتجاج بعد تكوين المجلس؟
كيف تتحدث عن عدم التمثيل الكافي للشباب والمرأة في مجلس الشركاء، بعد أن اختارت ممثليها بنفسها، ولم تنتق من بينهم إلا امرأة واحدة، ولم تقدم أي شاب كي يمثل لجان المقاومة، والشباب الذين فجروا الثورة وصنعوا التغيير؟
هل أظهرت قوى الحرية والتغيير أي حرصٍ على تمثيل الشباب في مجلسي السيادة والوزراء، وهل نالت المرأة الحصة المنصوص عليها في الوثيقة الدستورية (الأصلية) داخل أجهزة الحكم الانتقالي؟
ألم تتعمد تعطيل تكوين المجلس التشريعي، الذي نصت الوثيقة الدستورية على إنشائه في فترةٍ لا تتعدى التسعين يوماً من تاريخ توقيع الوثيقة (في أغسطس 2019)؟
لا جدوى من رفع العقيرة بالاحتجاج، ولن تفيد الجقلبة بعد فوات الأوان.
على قوى الحرية والتغيير أن تلوم نفسها أولاً، وتتقبل الواقع الجديد بكل انعكاساته السالبة عليها، لأنها زرعته بنفسها، وصنعته بيديها.. فانطبقت عليها مقولة (التسوي بي إيدك)!