عز الهجير _ (متين تفك السكرة)؟! _ رضا حسن باعو
الذين نقصدهم هنا هم من امتطوا صهوة جواد ثورة ديسمبر المجيدة، التي سُرقت في رابعة النهار من قبل ثلة محسوبة عليها، ولم تكن صاحبة الجلد والرأس، توهّموا أن بناء الوطن يكون هكذا، لكنهم لا يدرون أنهم أضاعوا البلد وباعوا ترابه بثمن بخس.
عندما خرج غالبية الشعب السوداني، كان هدفه تحسين معاشه ووضعه الاقتصادي، رافضاً زيادة سعر رغيف الخبز لأكثر من جنيه، وانعدام بعض الأدوية، وكان يُمني نفسه بتحسين جودة الصحة والتعليم، وحينها وجدت معارضة النظام البائد الجو مهيأً تماماً لإشعال جذوة الثورة واقتلاع النظام بثورة شعبية، واستخدمت المعارضة السوشيال ميديا لحث الشباب على الخروج والصمود، وصورت له أن البلاد ستصبح جنة بمجرد ذهاب النظام، وصوّروا له وردية الأحلام التي عشنا عليها حتى صرنا أكثر إصراراً على إسقاط النظام.
سقط نظام البشير وفرحنا وهلّلنا وكبّرنا، ظناً منا بأن القادم أحلى، وأن طاقة القدر قد فتحت علينا، وحلمنا بان كفاءات الوطن قادرة على إدارة المرحلة وإخراجنا من الحفرة التي كنا نظن أنفسنا فيها، ولكن للأسف جاءتنا مجرد شلة انتهازيين لا يدرون ألف باء تاء ثاء إدارة! ومارسوا علينا تضليلاً متعمداً، ورفعوا لنا شعارات رنانة على شاكلة “بل الكيزان وزج بهم في السجون”، وتم إبعاد كل الكيزان من الخدمة المدنية تحت ذريعة انهم جاءوا عبر سياسة تمكين نظام البشير، ولم يدروا أن فيهم كوادر وكفاءات تم تدريبها وتاهيلها على اعلى مستوى وصرف عليها من دم الشعب السوداني.
ولان الشلة التي وجدت نفسها بين عشية وضحاها حاكمة، وليس فيهم رجل رشيد نجح في إدارة مشروعه او قيادة أسرته بصورة حكيمة، ضعضعوا أحلامنا وأضاعوا آمالنا بعدما رأيناهم يتشاكسون في تقسيمة كيكة الوطن، رغم أنهم اوهمونا بعدم مشاركة أي من منسوبي قوى الحرية والتغيير وتجمع المهنيين في إدارة الفترة الانتقالية، لكنه كان “كلام والسلام”، وباتوا يتصارعون ويتكتلون بحثاً عن المناصب والكراسي ظفراً بهبرة كبيرة من جسد الوطن الذي حلمنا ببنائه.
مارس حكامنا الجُدد، سياسة تدمير البلاد وليس بنائها كما حلمنا، وذلك بعد أن ضاعفوا معاناة المواطن وزادوا اسعار رغيف الخبز الذي انعدم! كما أنهم حرّروا اسعار الوقود وتضاعفت أسعاره لأرقام فلكية تبعتها زيادة مهولة في أسعار السلع الضرورية حتى صارت عصيّة على المواطن، وتحول الشعب بنسبة تصل (90%)، وصار تحت خط الفقر طبعاً العشرة في المئة المتبقية هم الحكام الجدد وذووهم واصحابهم، لأنهم لا يذهبون للأسواق لشراء التزاماتهم، بل يأكلون ويشربون ويركبون ويتعالجون ويترفهون على حساب الشعب المسكين.
أضاعوا الثورة العظيمة، وبدّدوا معهم آمالنا، وتسببوا في انهيار التعليم وتدمير الصحة، حيث أغلقوا المدارس والمشافي ولم يوفروا احتياجاتها لسبب بسيط، لأنها ليست في قائمة أولوياتهم، فكل جهدهم ينصب في “بَل الكيزان” والتكويش على ممتلكاتهم والاستفادة منها لصالحهم، دون أن ينعكس ذلك على الشعب الذي ثار ضد البشير.
أخطر ما في الأمر والذي لم نكن نتوقعه يوماً من الأيام، حالة السيولة والهشاشة الأمنية التي صارت تعيشها البلاد، بعد أن تحوّلت لساحة للنهب من اجل البقاء، فصار الناس يقطعون الطرقات في رابعة النهار بشوارع الخرطوم الآمنة ليس من أجل الاغتناء، ولكن من أجل الأكل والشرب، وتحوّلت بعض شوارع الخرطوم الى باريس، وللأسف صارت حرائرنا، كاسيات، عاريات، يتبرجن اخطر من تبرج الجاهلية الأولى دون وازع! وأصبحنا نخاف على أولادنا وبناتنا من الانجراف وراء هذا الموج من الانهيار الأخلاقي.
انهارت البلد، وضاعت الأخلاق، وانعدمت الاحتياجات الضرورية من غذاء ودواء، ولا زال حكامنا يتشاكسون ويتطاحنون فيما بينهم، حفاظاً على الجاه والمال الذين يعيشون فيه، دون أن يكون للمواطن المغلوب على أمره مساحة في قائمة أولويات هؤلاء.. فمتى يفيقوا من سكرة سلطتهم؟!
“إن شاء الله يا رب تجيهم موجة برد قارس تطيِّر ليهم سكرتهم دي قبل ما يقع الفأس في الرأس”.