لا ندري متى يكفي وزراء هذه الحكومة عن اتخاذ القرارات الحمقاء؟
ها هو عادل فرح، وزير الثروة الحيوانية (المُكلَّف) يقتفي أثر مدني عباس، وزير التجارة والصناعة، الذي حظر تصدير الفول السوداني بقرارٍ أرعنٍ، اتخذه من دون دراسةٍ وافية، ليتسبَّب به في تلف شُحنات بملايين الدولارات، كانت مُجهَّزةً للتصدير في ميناء بورتسودان.
تابعنا كيف انتقد رئيس آلية الطوارئ الاقتصادية ذلك القرار العشوائي، مُتحدثاً عن الأضرار الكبيرة التي سببها للاقتصاد، ورأينا كيف اضطرت وزارة التجارة نفسها إلى مراجعة موقفها قبل أيام من الآن، لتسمح بتصدير الفول (النقاوة)، بقرارٍ حمل اعترافاً ضمنياً بخطأ المنع غير المدروس.
قرار إيقاف صادرات الثروة الحيوانية إلى السعودية يفوق قرار حظر تصدير الفول عشوائيةً وعنتريةً، لأن الوزير الذي اتخذه اختار أن يهرب من فشله هو وطاقمه ومشايعيه، كي يرمي أوزاره على الجانب السعودي.
يوم أمس الأول نشرت الزميلة (السوداني) جانباً من تقرير اللجنة المُكلَّفة بتقصي الحقائق حول مسببات إعادة شحنات الماشية من السعودية، حيث حمَّل التقرير وزارة الثروة الحيوانية، ووزارة التجارة والصناعة، وهيئة الموانئ البحرية المسئولية، وأشار إلى وجود تضارب في الإجراءات المتبعة داخل المحاجر الصحية، وإلى غياب الكوادر المتخصصة، وأكد عدم تطبيق القرار المتعلق بمنع التطعيم في المحاجر الخاصة.
أخطر جزئية وردت في التقرير اتصلت بتدخل وزارة الثروة الحيوانية في القرارات الفنية الخاصة بإدارة المحاجر، مثلما حدث في محجر سواكن، الذي أفتى المشرفون عليه بعدم صلاحية شحنة الباخرة (إيمان) للتصدير، لقصورٍ في التجهيزات الفنية، إلا أن الوزارة تدخلت عبر أحد مسئوليها، وأمرت بشحن باخرةٍ أعيدت من حيث أتت لاحقاً.
بدلاً من مراجعة البنية التحتية المتخلفة للمحاجر بتوسيعها وتطوير بيئتها المنهارة، وتوفير الظل والماء النقي والتغذية الجيدة للماشية، والتدقيق في نوعية لقاح التطعيم، ومراجعة الاشتراطات الفنية لبواخر التصدير، وإيقاف التحايل الذي يمارسه بعض المصدرين باستبدال المواشي قبل شحنها إلى المملكة، اختار الوزير أن يتخذ قراراً عنترياً لن تتضرر منه السعودية بأي شيء، لأنها ستجد خياراتٍ أخرى، ومصادر عديدة، تزوّدها بحاجتها من الماشية المستوفية للاشتراطات الصحية المطلوبة في المملكة.
الضرر الناتج عن القرار الأحمق سيقع على خزينةٍ فارغةٍ، تخص دولةً فقيرةً، تعاني الأمرّين من قِلة صادراتها، وضعف عوائدها، المحصورة في أقل من ثلاثة مليارات دولار، تُشكّل الماشية جانباً مهماً منها.
لا يمتلك مسئولو وزارة البيئة والثروة الحيوانية في المملكة أي سبب يدفعهم إلى ابتزازنا، مثلما يدعي وزير يتهرب من مسئولياته، ولا يتقن عمله.
لم تقدم السعودية على إعادة الشحنات من فراغ، ولم تُعلل قراراتها بتفشي مرض حُمَّى الوادي المتصدَّع في السودان مثلما ادعى الوزير، بل حصرت الأسباب في ضعف نسبة التطعيم، وتحدثت عن استخدام السلطات السودانية للقاحٍ غير نقيٍ، تثبَّتت المملكة من عدم جدواه بثلاثة فحوصات مخبرية، أجرتها في معامل جدة والرياض وجازان، مثلما طالبت بتحسين بيئة المحاجر البيطرية الخاصة بالصادر، ولم تجد من يصغي إليها.
كما أوردنا من قبل فإن أفضل وصف لحال ماشية الصادر السودانية ورد على لسان د. محمد صديق، الخبير في مرض حُمَّى الوادي المُتصدِّع، حين قال: “هذه المواشي سيتم إرجاعها إلى السودان حتى لو شحنوها بطائرة على درجة رجال الأعمال، بتكييف عالي البرودة، وقدموا لها بوفيهاً مفتوحاً من البرسيم والعلف والمكسرات”.
العلة الأساسية لا تقع على عاتق من أوقف تصدير الماشية، بل يتحملها من ترك واحدة من أهم وزارات القطاع الاقتصادي في عهدة وزيرٍ مكلفٍ أكثر من خمسة أشهر.
اضطراب دولاب العمل التنفيذي وتكرار الأخطاء الكبيرة فيه طبيعي ومتوقع، طالما بقيت ست وزارات سيادية بالغة الأهمية بلا وزراء أصيلين منذ شهر يوليو الماضي، عندما أقدم د. حمدوك على إعفاء وزراء الخارجية والمالية والصحة والثروة الحيوانية والزراعة والنقل، تاركاً (خُمس) مقاعد حكومته في عهدة وزراء مكلفين قرابة نصف عام.
ستستورد السعودية الماشية من الصومال أو أستراليا أو البرازيل أو نيوزلندا أو الهند أو باكستان، ولن يضيرها أن يتوقف السودان عن إمدامها باللحوم، لنبقى نحن بحاجة إلى (استيراد) مسئولين يمتلكون الكفاءة اللازمة لإدارة دولةٍ ابتلاها المولى عز وجل بنقص مريعٍ في هرمونات الكفاءة.. وارتفاع مخل في إنزيمات الفشل.