في 11 نوفمبر 2020، وافق رئيس الوزراء الروسي ميخائيل ميشوستين، على مسودة اتفاق مقدمة من وزارة الدفاع، من شأنها إنشاء قاعدة عسكرية بحرية في السودان.
وجاء في المسودة أن القاعدة الروسية في السودان “ستلبي أهداف الحفاظ على السلام والاستقرار في المنطقة”، وأنها “لن تستخدم في أغراض دفاعية ضد الدول الأخرى”.
وعن خلفيات وأهداف إنشاء القاعدة في البحر الأحمر، قالت صحيفة أرغومينتي إي فاكتي الروسية: إن الوجود العسكري الروسي يهدف إلى الحفاظ على الاستقرار في المنطقة، في حين رأى موقع إيطالي أن الأمر يأتي “في إطار مواجهة النشاط التركي والنفوذ الصيني والأميركي في إفريقيا”.
وقال الكاتب والمحلل السياسي غليب إيفانوف، في مقال له بالصحيفة الروسية: “ستضم القاعدة ما يصل إلى 300 جندي، وما يصل إلى 4 سفن تابعة للبحرية الروسية، بما في ذلك تلك التي لديها محركات نووية، بالإضافة إلى أنظمة الدفاع الجوي والحرب الإلكترونية”.
وتريد موسكو الحصول على حق استيراد أي أسلحة وذخائر ومعدات ومواد لقاعدتها دون رسوم إضافية، حيث يجب إعلان حرمة السفن والطائرات والمركبات وأن يكون لها حصانة من التفتيش والاعتقال، بحسب الكاتب.
وأضاف: “ستقوم السلطات الروسية ببناء القاعدة وصيانتها على نفقتها الخاصة، بينما يتولى السودان الأمن الخارجي للقاعدة، وستكون الاتفاقية سارية لمدة 25 عاما ويمكن تجديدها تلقائيا لمدة 10 سنوات إذا لم يكن لدى الأطراف أي اعتراض”.
منطقة إستراتيجية
توجد قواعد عسكرية روسية في 10 دول في العالم، بما في ذلك أرمينيا وطاجيكستان وسوريا. وعلى وجه الخصوص، توجد في طرطوس السورية “نقطة الدعم المادي والفني” للبحرية.
في البحر الأحمر، كان لدى روسيا (على وجه الدقة، الاتحاد السوفيتي) قاعدة بحرية – في جزيرة نوكرا الإثيوبية في أرخبيل دهلك، ولكن تم إغلاقها في عام 1991 بعد انهيار الاتحاد السوفيتي.
ويقول إيليا كرامنيك، الخبير في مجلس الشؤون الدولية الروسي: إن البحر الأحمر هو منطقة إستراتيجية، تمر طرق التجارة من خلاله، والتي تصل إلى قناة السويس.
وتمتلك روسيا أسطولا تجاريا ضخما، وهذه المنطقة خطرة بشكل خاص بسبب القرصنة. لذلك، فليس من المستغرب أن نفكر لفترة طويلة في إنشاء قاعدة في المنطقة، وفق كرامنيك.
يكمل الكاتب في الصحيفة الروسية سرد تاريخ المحاولات الروسية للحصول على قواعد في المنطقة، مشيرا إلى أن المحاولات الأولى لإنشاء مثل هذه القواعد فشل عدة مرات.
في البداية، كان من المفترض تحديد موقع القاعدة إما في الصومال أو في جيبوتي.
وتستضيف جيبوتي، الدولة الإفريقية الصغيرة بالفعل العديد من القواعد البحرية الأجنبية، بما في ذلك الأميركية والصينية والفرنسية. ومع ذلك، فشلت روسيا في الاتفاق على إنشاء قاعدتها، بما في ذلك بسبب معارضة الدول الغربية.
في غضون ذلك، لطالما دعم السودان روسيا في العديد من القضايا الرئيسية، يقول الكاتب: على وجه الخصوص، في عام 2014، صوت مع موسكو ضد قرار الأمم المتحدة بشأن شبه جزيرة القرم.
كما يجري التفاعل العسكري – التقني والاقتصادي مع الخرطوم. على وجه الخصوص، في عام 2018، تم توقيع اتفاقية بشأن بناء مصفاة لتكرير النفط في بورتسودان.
يقول كرامنيك: “من الطبيعي أن تتمثل إحدى مهام قاعدتنا في حماية هذه المنشأة المهمة”. هذا بالإضافة إلى مكافحة الإرهابيين والقراصنة، والاتجار الأسود في البحر الأحمر (من تهريب المخدرات إلى تجارة الرقيق). أخيرا، إنها ببساطة قاعدة جديدة مهمة للبحرية على الطريق من الشرق الأقصى والعودة.
قبل ذلك، عملت السفن الروسية في البحر الأحمر، حيث قاتلت القرصنة. ومع ذلك، فإن التحولات الطويلة بدون قاعدة رئيسية مرهقة للغاية لأطقم السفن العسكرية.
الآن ستتاح لروسيا الفرصة لاستبدال الأطقم وللراحة بشكل طبيعي في القاعدة الروسية، كما يقول الخبير.
مهام متعددة
من المهام التي تسند إلى روسيا من المجتمع الدولي: مهمة قوات حفظ السلام الدولية، حيث استمرت موسكو، بصفتها الخليفة القانوني لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية، في المشاركة في تلك البعثات بشكل رئيسي من قبل المراقبين العسكريين وضباط الشرطة، يستطرد الكاتب.
لذلك، اعتبارا من نهاية أغسطس 2020، ضمت قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة 70 روسيا: 26 مراقبا عسكريا، و25 مشاركا في مهام الشرطة و19 ضابط أركان. احتلت روسيا المرتبة 70 من أصل 120 من حيث إجمالي مساهمات القوة (بما في ذلك ضباط الشرطة المقدمين).
ويشارك العسكريون المحليون وضباط الشرطة في 9 بعثات لحفظ السلام تابعة للأمم المتحدة: في الشرق الأوسط وجنوب السودان وجمهورية إفريقيا الوسطى والصحراء الغربية وجمهورية الكونغو الديمقراطية والخرطوم.
وعن ماهية العلاقات الروسية السودانية في المجال العسكري، قال الكاتب: “وقعت الحكومتان اتفاقية تعاون عسكري في عام 2019”.
وكجزء من هذه الاتفاقية، سلمت روسيا في أكتوبر 2020 السودان زورق تدريب بحري UK-307 من البحرية الروسية، حسبما ذكرت وسائل إعلام إفريقية.
في فبراير 2020، أخبر السفير الروسي في السودان فلاديمير زيلتوف وكالة ريا نوفوستي عن اهتمام الخرطوم بإقامة تعاون عسكري تقني مع روسيا.
ووفقا له، فإن تطوير التعاون العسكري التقني مع الدول الإفريقية “هو مظهر عضوي ومنطقي لرغبة بلادنا في العودة إلى هذه القارة، مع الأخذ في الاعتبار التراكم الكبير الذي نشأ خلال الحقبة السوفيتية”.
وبحسب السفير، فإن الدول الإفريقية، بما فيها السودان، مهتمة أيضا بهذا الأمر.
هذا، على وجه الخصوص، تم تأكيده خلال اجتماع قادة روسيا والسودان على هامش القمة الروسية الإفريقية في خريف 2019.
تنافس دولي
بدوره، ينظر موقع ”إنسايد أوفر” الإيطالي للقاعدة البحرية الروسية، على أنها تأتي “في إطار مواجهة النشاط التركي والنفوذ الصيني والأميركي في إفريقيا”.
وقال الموقع في تقرير له: إنه “لطالما كان الوصول إلى البحار الدافئة والتحكم في أهم طرق التجارة أحد النقاط الثابتة لروسيا وإستراتيجية متماسكة مع مرور الوقت لدولة لم تدرك أهمية البحر إلا في العصر الحديث، ومنذ عهد الاتحاد السوفيتي زادت قدرتها على نشر الجنود والسفن في مناطق مختلفة من العالم من أجل حماية مصالحها”.
وأشار إلى أن آخر الأخبار المرتبطة باهتمام موسكو بالطرق البحرية البعيدة عن الساحل الروسي هي تلك التي تم تداولها مؤخرا من قبل الحكومة الفيدرالية الروسية بشأن الاتفاقية الموقعة مع السودان لإنشاء قاعدة بحرية على السواحل السودانية.
وتنص مسودة الاتفاقية، التي نشرتها موسكو للعموم، على بناء قاعدة تتمتع رسميا بخصائص مركز للخدمات اللوجستية وصيانة السفن، ولكن من الواضح أن الجوهر هو المهم وراء هذا الشكل، على حد تعبير الموقع الإيطالي.
وأكد ”إنسايد أوفر” أن هذه الخطوة لا تعطي إمكانية قيام البحرية الروسية من الوجود في منطقة بعيدة جدا عن نطاقها التاريخي فحسب، وإنما تُثبت أيضا كيف أن نشاط الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في ما يُعتبر البحر المتوسط الموسع، لم ينته بعد التدخل في سوريا.
وفي هذا السياق، أوضح الموقع أن الهدف وراء إستراتيجية بوتين في سوريا المتمثل في عدم فقدان القاعدة الوحيدة في شرق المتوسط، تبلور الآن أيضا في البحر الأحمر، بوابة المتوسط ولكن أيضا في الاتجاه المعاكس نحو المحيط الهندي والخليج العربي.
بهذا المعنى، لا ينبغي التقليل من أهمية أن طرطوس، القاعدة السورية للبحرية الروسية، كانت تعتبر أيضا في البداية مركزا لوجستيا وهو ما يدل على أن التعريف لا يؤكد ”المهام” كما يعتقد المرء.
ولفت الموقع الإيطالي إلى أن تسارع وجود موسكو على جبهة البحر الأحمر لم يكن مفاجئا أو دون سابق إنذار فيما يتعلق بالسودان على وجه الخصوص والمصالح الروسية في إفريقيا، خاصة في الشرق.
ففي السنوات الأخيرة، بدت العلاقات بين موسكو والخرطوم ودية للغاية، وشهدت أيضا في السنوات الأخيرة نموا في الاتفاقيات في المجال العسكري وبلغت ذروتها في بعض الاتفاقيات الموقعة في كل من 2017 و2019.
وأضاف أنه لسنوات كان هناك حديث عن شراكة إستراتيجية بين روسيا والسودان، ستنتهي بإقامة قاعدة بحرية لأسطول موسكو.
وقد ساعدت العلاقات القوية المتزايدة بين البلدين على تطبيع العلاقات بين السودان وإسرائيل، التي تعد محاورا أساسيا للكرملين في جميع أنحاء الشرق الأوسط، من سوريا إلى القوقاز إلى ليبيا، وفي القرن الإفريقي أيضا.
وتابع الموقع قائلا: إن ”دبلوماسية موسكو في إفريقيا لم تتوقف في السنوات الأخيرة”.
تأكيد القوة
وعلى ضوء إعادة واشنطن النظر في خططها في القارة، وتزايد النفوذ الصيني وضعف الفاعلين الأوروبيين، أعادت روسيا، أيضا لتجنب العزلة، إحياء سلسلة من الصداقات التي تعود إلى زمن الاتحاد السوفيتي مع عدة دول إفريقية.
وقد سمح ذلك لروسيا من ناحية، بإظهار نفسها كقوة عظمى قادرة على التأثير في مناطق بعيدة عن حدودها، ومن ناحية أخرى سمح لها أيضا بتعزيز موقعها في عالم شرق إفريقيا الذي يحظى بأهمية خاصة بالنسبة للطرق التجارية والعسكرية التي تربط البحر الأبيض المتوسط بالمحيط الهندي.
تجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن الأسطول الروسي نفسه شارك منذ سنوات في عمليات مكافحة القرصنة قبالة عدن مع معظم الدول الأوروبية والغربية والآسيوية وهي علامة على أن تلك الطرق التي تعبر البحر الأحمر، لا تزال ذات أهمية إستراتيجية أساسية لجميع الدول المعنية بالمبادلات التجارية.
وأردف الموقع أن إنشاء قاعدة في السودان، سيسمح لبوتين بتحقيق انتصار ثلاثي.
من ناحية، يسمح الوجود العسكري في بلد ما في قارة أخرى للكرملين بتأكيد نفسه كقوة ذات إسقاط إستراتيجي لا يزال “كبيرا”، متجنبا خطر الحصار في مواجهة النشاط التركي والوجود المتجذر لأميركا والصين.
ويتضح ذلك من خلال اختيار التوقيت المناسب المتزامن مع إجراء مفاوضات مكثفة بين الخرطوم وواشنطن.
من ناحية أخرى، تمنح القاعدة على الساحل السوداني الأسطول الروسي، إمكانية تجنب الرحلات الطويلة للغاية للسفن العاملة في منطقة عدن والخليج العربي، دون التوقف بالضرورة في طرطوس.
وأخيرا، سيسمح القرب من المركز الإستراتيجي العالمي لجيبوتي واليمن والطرق الرئيسية لأساطيل حلف شمال الأطلسي (الناتو) أن يكون لموسكو ”عين ثابتة” على ممر اقتصادي وطاقي وعسكري ذي أهمية أساسية للتوازنات الإقليمية وما وراءها.
وفي ختام تقريره، أكد الموقع أن كل هذا يحدث بينما يتم تقسيم مناطق النفوذ في ليبيا مع تركيا كما حدث، بشكل أكثر وضوحا، في سوريا والآن في القوقاز.
وفي سؤاله عما إذا كان هذا سيحدث أيضا في البحر الأحمر؟، أجاب الموقع الإيطالي أنه يمكن للوجود التركي في الجنوب، في الصومال، إلى جانب القاعدة في قطر، إلى الشرق، أن يعطي إجابة إيجابية ومهمة لهذا السؤال.
المصدر: أرغومينتي إي فاكتي