هل حاول أحدكم زيارة أي مركز من مراكز غسيل الكلى و هل رأى أحدكم كيف تتم عملية غسيل الدم من السموم نتيجة توقف الكليتين ، و هل جلس أحداً منكم و حاول أن يتفقد أحوال هذه الشريحة المكلومة و الصامتة و الصابرة على ما إبتلاها به الله من بلوى و ذلك من اجل التعرف على مدى المعاناة التي لا يحس بها أحد من الناس إلا من إكتوى بنار هذا العطل الميكانيكي الذي فآجأ صاحبه بدون أدنى مقدمات وأدى إلى قصور في ظائف عمل الكلى و تم بعدها التوقف التام عن عملها.
لم يكن دخول هذا النادى الذي يضم (مرضى الفشل الكلوي) نتيجة عدوانُ غاشم حدث إليهم أو حصاراً عاماً تسبب لهم في هذه الكارثة أو حرب ، ولكن نجد أن معظمهم كان نتيجة تناوله لعقار فاسد جلبه إليهم أحد ضعفاء النفوس الذين يبحثون عن الثراء بأي صورة كانت فسلكوا أقرب الطرق التي تؤدي إليه وهي التجارة في الأدوية الفاسدة أو منتهية الصلاحية التي لم تنأ عن الإسهام بنصيب الأسد في كثير من الأضرار الصحية التي ساقت الآلاف إلى الموتَ و أكثر من ذلك العدد ما زالوا متعلّقين بالحياة و لكنهم يصارعون الموت وهم مرضى على أسرة المستشفيات أو منازلهم.
الدواء كما هو معلوم بالضرورة (سم قاتل) وسلاح ذو حدين و هذه المعلومة لا يجهلها أحد من الناس إلا من أبى ، و كما أن هذه السموم قد تسوق إلى فراش المرض الذي يلزم صاحبه بالمكوث شهوراً طوال فيها و الذي يجر الناس جراً إلى الموت ، و هذا إذا كانت هذه الأدوية التي يقوم الشخص بتناولها صحيحة ، والتي كان بها يبحث عن الصحة والعافية و لكن تم تناولها بإفراط شديد و بدون إستشارة الطبيب او بوصفة مغلوطة ، فما بالك إذا كانت في الأصل مغشوشة أو منتهية الصلاحية او فاسدة ، و أحياناً قد تكون هذه العقاقير عبارة عن مستحضرات تجميل مجهولة الهوية و لا تطابق المواصفات والمقاييس المسموح بها من وزارة الصحة ، فنجد بعضها قد تسبب في أصابة بعض الفتيات اللائي يبحثن عن الجمال بالعمى ، و البعض الآخر سبب لهن أمراضا خطيرة منها العقم و تشويه الأجنة والفشل الكلوي
كشفت صحيفة الوطن في عددها ليوم امس البارحة عن ضبط كمية من الادوية الفاسدة بالنيل الأبيض ، و ربما ما خفى كان أعظم من ذلك ، إذ أن كل المعلومات والأدلة تؤكد أننا أمام عصابات متوحشة تنفذ جريمة مكتملة الأركان و ترتكب في حق صحة المواطنيين الذين باتوا ضحايا لمافيا الأدوية الفاسدة و المغشوشة ، و هذه المجموعة الفاسدة من البشر التى تقوم بتسوق هذه الأدوية الفاسدة قد تجردوا من الضمير و كما لا يكبحهم وازع من دين أو دافع من إنسانية لانهم عبارة عن خشب مسندة و وحوش بشرية تفترس أقرب الناس إليها دون مرعاة لأي قيمة إنسانية ، و جل همهم هو جمع الأموال بأي وسيلة كانت و لو كان ذلك على جثث إخوانهم ، فهم خونة و تجار غش يبيعون الموت للناس مقابل اموالهم ، فنحن نحمد الله على إنجلاء المستور وظهور الحقيقة و ضبط مثل هذه العصابات التي توارت خلف قلة الرقابة الحكومية وإستقلت بساطة المواطنين ليسقط بعدها اللآلاف من الضحايا بسبب أدوية الموت التي يحملها إلينا اناس من بني جلدتنا.
ما نرجوه من الدولة هو تفعيل دور الرقابة على الادوية و العقاقير الطبية و خصوصاً التي يتم تداولها خارج المؤسسات الصحية غير المرخص لها بذلك او التي يتم إستيرادها عن طريق تجارة الشنطة ، و كذلك متابعة و مراجعة المصانع التي سعت في توطين هذه الصناعة المهمة في السودان و هذه محمدة و يشكرون على سعيهم في توطين صناعة الدواء ، ولكن لا بد من متابعتها لان هنالك بعض عقاقير ضغط الدم المنتجة محلياً عليها بعض الملاحظات المهمة من بعض المرضى الذين تأكدوا بما لا يدعوا مجالاً للشك من عدم جودتها ، و على الدولة حزم امرها في توقيع اقصى العقوبة على المخالفين للمواصفات القياسية و مرتكبي مثل هذه الجرائم التي تسوق الناس إلى الموت و هم يسوقونها إلينا بدم بارد ، ويجب ألا تأخذهم في حسم هذه الجرائم رأفة مهما كانت الاسباب او ضخامة حجم الوساطات التي تجعل المجرم يفلت من العقوبة ولا تردع الذي في نفسه مرض.