9 أسئلة حول تأثير الصراع المسلح بين حكومة إثيوبيا المركزية وإقليم تيغراي على السودان
الخرطوم : مزدلفة عثمان
بعد أشهر من التوتر المتبادل بين حكومة رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد وحكومة إقليم تيغراي شمالي البلاد، اشتعلت حرب بين الطرفين بعد أن أمر أحمد الأربعاء بالرد على هجمات نفذها مقاتلو تيغراي ضد حامية للجيش الإثيوبي، وتطور الموقف لاحقا الخميس بعد شيوع أنباء عن بدء هجمات جوية على جبهة تيغراي التي قطعت عنها خدمات الإنترنت.
وطوال 3 عقود، كانت للجبهة الشعبية لتحرير تيغراي الكلمة العليا في الحكومة الاتحادية قبل أن تجبرها احتجاجات هائلة عام 2018 قادتها إثنية الأرومو -التي تشكل ثلث الشعب الإثيوبي تقريبا- على إفساح المجال لآبي أحمد لقيادة البلاد، فباتت جبهة تيغراي تنظر إلى أحمد على أنه “مغتصب” للسلطة، في حين يعتبر أحمد ومؤيدوه جماعة تيغراي مخربين لأسس الديمقراطية وسعاة لإشعال نيران الخلافات.
ومع بدء الهجمات في هذا الإقليم، استعد السودان المجاور لأسوأ الاحتمالات، وسارع لإعلان إغلاق حدوده الشرقية المحاذية لإثيوبيا قريبا من المنطقة المشتعلة.
الجزيرة نت تلقي الضوء على هذا الصراع المسلح وتأثيره على السودان في شكل سؤال وجواب:
من هم التيغراي؟
مجموعة إثنية تعيش في الأجزاء الوسطى والشمالية من إريتريا، وفي المرتفعات الشمالية الإثيوبية في إقليم تيغراي.
يشكلون قرابة 99.6% من نسبة سكان الإقليم، و6.1% من مجموع سكان إثيوبيا، بتعداد يبلغ حوالي 5.7 ملايين نسمة، ويمكن اعتبارهم ثالث أكبر القوميات في إثيوبيا بعد الأمهرا والأرومو، حيث تتكون إثيوبيا من 9 قوميات.
ما سر العداء مع رئيس الوزراء آبي أحمد؟
يسرد الخبير في شؤون القرن الأفريقي عبد المنعم أبو إدريس للجزيرة نت تسلسل الأحداث قائلا إن بداية الأزمة كانت في عام 2018 حين أجرى آبي أحمد تعديلات على رؤساء الأجهزة الأمنية، وأقال فيها عدداً من منسوبي تيغراي بعد أن سيطروا على تلك الأجهزة لسنوات طويلة، فاعتبرته القومية استهدافا مباشراً.
وحين قرر رئيس الوزراء التصالح مع إريتريا، شعر التيغراي بأن الاستهداف بات واضحا، خاصة أن لديهم عداء تاريخيا مع الرئيس الإريتري أسياس أفورقي وخاضوا ضده حربا ضروسا.
ثم تجلى الخلاف القوي بين التيغراي وآبي أحمد عندما قرر الأخير تكوين حزب باسم “الازدهار” وأن لا تنشأ الأحزاب على أساس قبلي وإثني، وهو ما عارضه منتسبو تيغراي وأعلنوا رفضهم المشاركة في الحزب، ثم شرعوا في مغادرة العاصمة والاستقرار في مكلي عاصمة إقليم تيغراي.
كيف تصاعد التوتر؟
يواصل أبو إدريس التأكيد على أن التوتر احتدم حين قررت الحكومة الإثيوبية والبرلمان تأجيل الانتخابات للمرة الثانية، بعد أن تأجلت في بادئ الأمر بسبب وباء كورونا، فعارضت التيغراي التأجيل وعمدوا إلى إجراء انتخابات منفردة في الإقليم، لكن حكومة إثيوبيا المركزية رفضت السماح للجنة الانتخابات المركزية الإشراف عليها، ورفضت كذلك الاعتراف بنتائجها، وأوقفت عنهم التمويل المالي ومنعت التحويلات البنكية بين إقليم تيغراي وباقي الأقاليم في إثيوبيا.يقول أبو إدريس إن هذه الخطوات زادت الشعور بالاستهداف وسط شعب تيغراي، فصعّدوا بدورهم ضد الحكومة المركزية، معلنين عدم الاعتراف بها واعتبارها غير شرعية.
وكرد فعل لتلك التطورات قرر البرلمان الإثيوبي تصنيف الجبهة الشعبية لتيغراي حركة إرهابية، فأصدرت الجبهة مطلع هذا الأسبوع بيانا قالت فيه إن هناك تحضيرات للحرب عليها من قبل آبي أحمد وأسياس أفورقي، مؤكدة استعدادها خوضها لتكون “حرب شعب تيغراي”.
من الذي أشعل القتال؟
الثلاثاء الماضي، هاجم مسلحو تيغراي “القطاع الشمالي” التابع للجيش الإثيوبي، وهو وحدة عسكرية ضخمة جدا مجهزة بطائرات ودبابات، وتمكنوا من الاستيلاء عليها، كما هاجموا “اللواء الخامس-مدرعات” وتم السيطرة عليه، ولم يكن أمام آبي أحمد إلا إعطاء الأوامر للرد على هذه الهجمات باعتبارها تمردا يجب إخماده، لتبدأ منذ ذلك الوقت معارك ضارية.
كيف يتأثر السودان بهذه الحرب؟
استولى مقاتلو تيغراي على منطقة “دانشا” التي تبعد حوالي 20 كلم من الحدود السودانية، وهي مقر لمعسكر ضخم تابع للجيش الإثيوبي، كما تتحدث أنباء عن استيلائهم على منطقة “الحمر” الحدودية بين السودان وإثيوبيا، وفق الخبير أبو إدريس.
وتابع أن هذا الوضع من شأنه خلق حالة من عدم الاستقرار الأمني على الشريط الحدودي المتأزم أصلا، كما يعرف هذا الشريط بكثافة الأنشطة غير القانونية التي تتمثل في الاتجار بالسلاح وتهريب البشر، مما قد يخلق انفلاتا أمنيا على طول الحدود بين البلدين.
وينبه أبو إدريس إلى أن من شأن هذا الوضع المأزوم في الحدود فتح الباب أمام تسرب المقاتلين إلى السودان، وربما ينتقل جزء من المعارك داخل الحدود السودانية، حيث ينقل عن الأهالي في منطقتي “اللكدي” و”الحمر” القريبتين من الحدود أنهم يسمعون أصوات الانفجارات والمعارك الدائرة في إقليم تيغراي.
وستدفع الحرب، وفق أبو إدريس، بآلاف المدنيين إلى الفرار ولن يكون أمامهم سوى عبور الحدود السودانية، وربما يختارون منطقة “الفشقة” للبقاء فيها، وهي منطقة معروفة أصلا بكثرة الاشتباكات بين المزارعين السودانيين وعصابات “الشفتة” الإثيوبية الخارجة عن القانون، مما قد يخلق مع وجود القادمين الجدد موجة أخرى من السيولة الأمنية.
ما امتدادات الحرب داخل العمق السوداني؟
يتحدث الخبير في الشأن الإثيوبي محمد حامد جمعة للجزيرة نت عن معلومات خاصة تشير إلى أن قتالا ضاريا وعنيفا يدور بين قوات الحكومة والقوات الإقليمية لتيغراي.
ويرى أن أديس أبابا ومن واقع حرصها على توظيف لائحة الطوارئ؛ وقطع المنطقة عن التغطية الصوتية والمرئية، يبدو أنها تدرك أن معركة لا تكسر عظم التيغراي سترتد عليها بشكل لن تأمن عواقبه، وعليه يتوقع جمعة أن تنجلي العملية الجارية عن مخلفات خطيرة يتأثر بها السودان على نحو قوي.
ولا يتردد جمعة في حث الجانب السوداني على الانتباه للحدود عند منطقة الحمرة الإثيوبية، فهي كما يقول؛ إحدى النقاط الأساسية في تطويق قوة إقليم تيغراي اقتصاديا؛ مع امتداد إداري كبير يتوزع بين الحمرة كفاتا والحمرة المدينة، وهي في نطاق موقع غني بإنتاج السمسم والذرة وتعتبر ذات ثقل مالي.
وتابع جمعة “عليه فإن تخوم السودان المحاذية لتيغراي من الفشقة الكبرى إلى اللكدي وود الحليو، ستكون في جانبها الموصول بحدود إقليم أمهرا نقطة التسلل المتوقع لقوات الجيش الإثيوبي، لأن الهجوم من العمق التيغراوي مستحيل لطبيعة الأرض ووقوع مدن الإقليم في خط أفقي من مكلي إلى شيري والحمرة، أو خط رأسي من مكلي وعدي قرات صعودا إلى الحدود مع إريتريا قبالة الشريط الممتد إلى إقليم العفر شرقا وحدود السودان غربا”.
ما الأثر الاقتصادي على السودان من معركة تيغراي؟
يبرز الأثر الأقوى على المشاريع الزراعية السودانية القريبة من الحدود مع إثيوبيا، حيث بدأ موسم الحصاد للذرة والسمسم والقطن وغيرها، وستواجه هذه المشاريع عقبات من بينها العمالة، إذ إن أغلب العاملين في الحصاد من الإثيوبيين، وبالتالي سيمنعهم الاضطراب الأمني من الوصول إلى منطقة المشروع، وربما يعيق أصحاب المشاريع من البدء بعملية الحصاد، وهو ما يعني تكبد خسائر مالية فادحة، على حد قول أبو إدريس.
أين تقف حكومة الخرطوم في ظل اتهامات إثيوبية سابقة بإيواء معارضين على أراضيها؟
تبدو الخرطوم بالغة القلق حيال التطورات في إثيوبيا، فرئيس الوزراء عبد الله حمدوك سارع الأربعاء للاتصال بنظيره الإثيوبي مستفسرا عن تطورات الموقف، بينما شهد نهار الخميس اجتماعات مكثفة للقادة العسكريين تقول مصادر عسكرية للجزيرة نت إن النقاش فيها كان حول الوضع المتفجر في إقليم تيغراي.
وفي وقت سابق من هذا العام، تحدث آبي أحمد أمام البرلمان الإثيوبي عن مسلحين من “بني شنقول” يتدربون داخل ولاية النيل الأزرق السودانية، وأبدى تفهمه للوضع الاستثنائي الذي تعيشه تلك الولاية التي كانت وقتها خاضعة في عدد كبير من محلياتها لقوات متمردة من الحركة الشعبية-شمال، التي تقاتل حكومة الخرطوم، ثم دعا السودان للعمل مع بلاده في محاربة تلك الجماعات التي تعارضه، قبل أن ينوه إلى أن أولئك المسلحين يعملون على استهداف سد النهضة وإيقاف العمل به.
ماذا فعلت الحكومة السودانية؟
قررت حكومة ولاية كسلا الواقعة شرقا إغلاق الحدود الإثيوبية اعتبارا من الخميس الماضي إلى حين إشعار آخر، حيث أوضح حاكم الولاية المكلف في تصريح نقلته وكالة الإباء الرسمية أنه سيتم التوجه إلى المنطقة المتاخمة لدولة إثيوبيا مع محلية ود الحليو للوقوف على الأوضاع والقيام بالإجراءات اللازمة في هذا الاتجاه، مشددا على عدم السماح لأي أفراد أو مجموعات مسلحة بدخول الولاية، وقال كذلك إنه سيتم تشكيل لجنة للنظر في كيفية التعامل مع المدنيين الذين قد يلجؤون للأراضي السودانية.
وعلى الأرض، شوهدت ليل الخميس تعزيزات عسكرية ضخمة في طريقها إلى شرق السودان كإجراء احترازي فيما يبدو، لمواجهة أسوأ السيناريوهات المتوقعة من حرب التيغراي وحكومة آبي أحمد.
كما أغلقت حكومة ولاية القضارف حدودها مع إقليمي أمهرا وتغراي، ودعا مكتب الوالي في بيان المواطنين بالشريط الحدودي لتوخي الحذر من تداعيات التوترات داخل إثيوبيا.
المصدر : الجزيرة