همس الحروف _ الجنيبي و خطة الخمسين القادمة _ الباقر عبد القيوم علي
الفطنة و النباهة و رجاحة العقل من النعم الربانية النادرة التي قل ان تجتمع في شخص واحد و هي من صفات الكمال التي تزين الرجال و تكسوهم مهابة و محبة الآخرين وخصوصاً إذا خالطت في الإنسان الأدب الجم والوقار وكساها التواضع و الكرم العربي الفياض بالفطرة ، و تشكل هذه القيم النبيلة و الصفات الجميلة القالب الذي نبت فيه سعادة السفير حمد محمد الجنيبي الذي تربى في بوادي العرب فنهل منها تلك القيم العظيمة و النادرة فكانت له هبة من الله ، و كانت هبة الله لنا ليكون معنا سفيراً لبلاده الإمارات في بلده الثاني السودان متجاوزاً بمهنيته تلك الحدود الجغرافية الضيقة التي رسمها المستعمر ، إذ يتميز هذا الرجل الشاب بذكاء اجتماعي عال يمكنه به من تقديم نفسه وتعريفها بالقالب الإنساني قبل الدبلوماسي و كما له من سماحة القلب على ان يكون ضيفاً عزيزاً في قلوب الآخرين بمعرفتة لهم بصفاتهم ، و له كذلك المقدرة العالية علي التعامل مع هذا التنوع من الصفات بدون خلط أو تحسس او إرسال رسالة مغلوطة حتى يخال إلى كل فرد يتعامل معه من تلك الكوكبة التي تحيط به انه هو الأقرب والأخص من الآخرين إليه ، و ذلك لانه يتمتع بإرادة عالية تساعده على السير في عمله بمهنية وإحترافية متخصصة ، و هو يتحلى بالمرح و الدعابة بشكل منطقي ومعقول مع البساطة والتواضع فاجتمعت فيه كل صفات الشخصية القيادية و الفذة ، و لذلك دائماً يكون من متخذي القرارات الصائبة.
الكثيرون يتطاولون على غيرهم في الحديث عن آرائهم في بلادنا هذه و في بلاد أخرى و الكل منهم يجزم بصوابه ، و لا يتركون أي مساحةً و لو بمقدار خردلة للرأي الآخر المخالف لهم ، وكأن كل هذه العلوم المعرفية قد خلقت من أجلهم فقط ، و المزعج في الأمر هو أن يصبح الرفض للرأي المخالف من العقائد التي تعتمدها المجتمعات في محيطنا العربي والإسلامي ، و إذا حدث هذا سوف يصبح امراً خطيراً و قد يشكل خللاً في الفكر الجمعي لمجتمعاتنا في اماكنها المعينة ، و وقتها سوف نفقد ثقافة الاختلاف و التنوع ، ومن اجل مثل هذه القضايا كانت دعوة سعادة السفير حمد محمد الجنيبي لنفر لفيف من اصحاب العلم و الفهم و الفكر و الصحافة و الإعلام في ندوة كان عنوانها عام الإستعداد للخمسين سنة القادمة بقراءة متانية بإستسقاء العبر من الخمسين الفائتة من عمر دولة الإمارات العربية المتحدة.
فصدح أهل العلم و العلوم و المعرفة بتجاربهم الثرة و بلغة بسيطة لم يستأنسوا فيها بتلك المفردات العلمية المعقدة والتي يصعب فهمها للبعض وهم يطرحون أسئلة جوهرية تفرض نفسها في ساحة الإستفهام عن الإرادة والإدارة وصدق العزيمة في البناء و التعمير و الإستباق مع الزمن الذي كان يدفع باني و موحد دولة الإمارات العربية المتحدة ، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان عليه الف رحمة من الله تنزل عليه في فراديس الجنان ، إلى سعيه الحثيث في عجلة بناء الإنسان قبل المكان فكان في هذا الشان الإستباقي له عبارة مشهورة عنه فيقول فيها (لا تقولوا لي باكر بل قولوا اليوم) لانه كان يريد تمام بنيان دولته في يومه قبل غدٍ ، و من اكثر الاشياء التي كانت تشغله في بناء هذه الدولة العظيمة (التعليم و الصحة) ، لانه كان يؤمن بأن العقل السليم في الجسم السليم.
و في حقبة زمنية وجيزة جداً تم بناء كل شيى كان مفقوداً على أرضها ، فكان بداية ذلك بالمناهج المدرسية وتأسيس التعليم وكل ما يرغب الطلاب في الإستمرار و الصبر على الدراسة ، و كما سعى في بناء المؤسسات الصحية بأحدث الوسائل ، وكل ذلك مقروءً مع قيام النهضة العمرانية التي نافست الدول المتقدمة وتخطتها في هذا المجال ، و كذلك في الزراعة و الإهتمام بشجرة النخيل التي أصبحت تشكل مورداً و دخلاً قومياً عظيماً لا يستهان به ، فأحدثت نهضة الإمارات تقدماً ملحوظاً في كل الأصعدة حتى و صولهم إلى الغزو الفضائي بإرسال مسبارهم في مهمة علمية إلى كوكب المريخ٠
إنه التحدي الذي كان و ما زال مستمراً في هذا الشعب العظيم ، فهو قليل في تعداده و لكنه كبير في إمكانياته و عطائه وكما ان التسامح مع الآخرين أصبح يشكل سمة من سماته و منهج من مناهجه ، و لقد صار التسامح من اهم مرتكزات ثقافاته التي جعلتهم ان يصنعوا من هذا الكم الهائل من الاختلاف العرقي و الديني و الثقافي على أرضهم حياة تقوم على “احترام المخالف” أياً كانت جنسيته أو ديانته او مستوى ثقافته.
نحن نرفع القبعات إلى هذا الرجل النحلة : سعادة الجنيبى الذي كان مثالاً حياً و نموذجاً صادقاً في كل أفعاله ساعياً إلى توصيل رسالة بلده كاملة غير منقوصة . فجمعت دعوته التي تشرف الحاضرين بوجوده معهم في عرينه المتواضع ليرسم معهم بالافكار ملامح دولته في خمسينيتها اللاحقة مستأنساً بعقول أسهمت في بناء الإمارات في مرحلة نهضتها .. فله منا كل الود و التقدير و الإحترام.. وإلي الامام ايها البطل الهمام٠