عقب العنف المفرط ضد المتظاهرين الذين خرجوا يوم 21 اكتوبر في الذكرى السنوية الثامنة والخمسين لثورة أكتوبر المجيدة، للتعبير عن غضبهم من سوء الاوضاع السياسية والاقتصادية وسيطرة العسكر على الحكم والبطء غير المبرر في استكمال مؤسسات الفترة الانتقالية، أصدر والى الخرطوم (أيمن خالد) بيانا أعلن فيه تحمُله مع لجنة أمن الولاية مسؤولية التجاوزات والانتهاكات الجسيمة للشرطة واطلاق الرصاص على المتظاهرين الذي أودى بحياة الشهيد (محمد عبد المجيد) واصابة عشرات المواطنين، بالإضافة الى اطلاق الغاز المسيل للدموع والتسبب في الكثير من حالات الاختناقات، وأكد البيان غياب وكلاء النيابة عن مرافقة الشرطة، وقال انه كان سببا مباشرا لوقوع الانتهاكات، داعيا النيابة العامة لفتح تحقيق عاجل في الموضوع!
كما اصدرت وزارة الثقافة والاعلام بياناً أعربت فيه عن أسفها واعتذارها لكل أجهزة الإعلام والصحافة ومنسوبيها وللصحفيين المستقلين عن أي مضايقات أو تعطيل أو عنف حدث من قبل القوات الأمنية خلال التظاهرات، واكدت حرصها الشديد على احترام حرية الصحافة والاعلام وعدم التعرض للأجهزة الاعلامية والصحفية اثناء اداء عملها ميدانيا، ووعدت باتخاذ اجراءات تضع حدا لهذه الممارسات وتقنن العلاقة بين الاجهزة الاعلامية واجهزة الدولة وحقها في الحصول على المعلومات والعمل بدون مضايقات!
وكان مجموعة من الاعلاميين الذي غطوا التظاهرات من بينهم الزميل (خالد عويس) وطاقم العمل بفضائية (إسكاى نيوز) تعرضوا للاعتداء الغاشم من بعض قوات الشرطة بغرض منعهم من ممارسة عملهم وتغطية الافعال الوحشية والانتهاكات التي يتعرض لها المتظاهرون السلميون !
نتساءل أولاً، لماذا غابت النيابة عن مرافقة الشرطة.. هل هو عدم تكليف وكلاء نيابة لمرافقة الشرطة، أم اهمال من وكلاء النيابة المكلفين، أم إضراب عن العمل خاصة مع الصراع الشرس الذي يدور منذ فترة بين النائب العام ونادى النيابة العامة والعاملين في النيابة بمختلف درجاتهم وتخصصاتهم وصل الى درجة القطيعة الكاملة بين العاملين في النيابة والنائب العام، والمطالبة بإقالته في مذكرة رفعوها الى مجلس السيادة بتاريخ 18 اكتوبر الجاري، واتهموه بإعاقة لجان التحقيق في كثير من قضايا فساد قادة النظام البائد والتواطؤ مع بعض المتهمين من بينهم والى الخرطوم السابق (عبد الرحمن الخضر) والمستثمر التركي (أوكتاى)، بالإضافة الى قضايا اخرى كثيرة سأتعرض لها بالتفصيل في مقالات لاحقة إن شاء الله، وهى اتهامات لو صحت، فإنها تكون كارثة من محامى محترم اختارته الثورة ليكون النائب العام الذي يقتص من جرائم النظام السابق ويستعيد حقوق الشعب.
كما نتساءل، أين كانت وزارة الثقافة والاعلام طيلة عام كامل من ممارسات الاجهزة القمعية والاعتداء على الصحفيين، والبطء في اتخاذ الاجراءات التي تتحدث عنها لحماية الصحفيين وحقهم في ممارسة العمل بدون التعرض لمضايقات، أم أن عملها أن تظل تصدر بيانات الاسف والاعتذار للصحفيين كلما تعرضوا للضرب والاعتداء ؟!
نأتي الآن لموضوع (تحمل المسؤولية) الذي يبدو أنه صار مجرد (موضة)، أو عبارة تقال من بعض المسؤولين لتهدئة النفوس وممارسة الخداع على الناس بالإعلان عن تحمل مسؤولية الخطأ بدون حدوث أي فعل يبرهن ويؤكد ذلك!
نسأل والي الخرطوم، ماذا يقصد بتحمل مسؤولية قتل مواطن برئ بالرصاص وإصابة متظاهرين سلميين أبرياء وغياب كلاء النيابة، والعنف المفرط الذي مارسته الشرطة، وكأنها تستعيد أيام النظام البائد التي كانت تمارس فيها القتل والعنف والارهاب بدون أن يجرؤ أحد على سؤالها ومحاسبتها؟!
ما هو مفهوم سيادته لتحمل المسؤولية.. هل هو أن يظل موجوداً على منصبه الرفيع جالساً على مكتبه الوثير، يبدو على ملامحه الزهو والافتخار رغم ثقل المسؤولية الضخمة التي يحملها على كتفيه، بينما يلتف حوله البعض يهللون، وتزغرد له النساء، وينهمر مداد الحبر في الصحف من المنافقين والباشكتبة والمهرجين يثنون على شجاعته الفائقة واعلانه الجريء بتحمله للمسؤولية في زمن عزت فيه الجرأة وماتت المسؤولية، وتنطلق الهاشتاقات والبوستات على وسائل التواصل الاجتماعي (شكرا ابو خالد) .. أم أن المسؤولية لها شروط ومعايير وأفعال وعقوبات يجب أن يتحملها من يحملها ؟!
لا أفهم أن يعلن مسؤول تحمل مسؤولية قتل مواطن برئ بالرصاص واصابة آخرين، بينما يظل جالسا على مكتبه الوثير، بدون أن يستقيل أو حتى يتظاهر بالاستقالة، أو يُقال أو يُعاقب أو يُحاسب أو يُسأل .. أو على الأقل أن يحل أو يُطالب بحل لجنة الامن في الولاية، إلا إذا كانت المسؤولية في نظره حلاوة مصاص يلعقها ويلقى بعقبها الخشبي عندما تذوب في فمه ويأخذ غيرها، والناس مجتمعون حوله يهتفون ويهللون .. (شكراً يا أبو المسؤولية) !
صحفية الجريدة