مناظير _ براحة علينا يا دكتور ! زهير السراج
من الخطأ أن ترفع الحكومة سقف التوقعات لنتائج رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب وتجعل الكثيرين يحلمون بالجنة الموعودة في وقت قريب، بينما الواقع غير ذلك بكثير، فمجرد توفير ضروريات الحياة مثل الخبز والدواء يحتاج الى جهد ووقت طويل جداً، دعك من تحسن الوضع الاقتصادي والتفاهم مع مؤسسات التمويل الدولية بشأن سداد فوائد القروض المتأخرة التي تزيد عن 30 مليار دولار أمريكي من اصل الدين الذي يبلغ حوالى 20 مليار دولار، قبل ان يتيسر لنا الاستفادة من فرص التمويل الخارجي والحصول على قروض لاستخدامها بشكل جيد في مشاريع تنموية تقود الى النتائج المرجوة التي نحلم بها!
لقد فوجئت بحديث الدكتور (حمدوك) في خطابه المتلفز الى الجماهير بأن رفع اسم السودان سيفتح الباب للانفتاح على العالم ويؤدي الى إعفاء السودان من الدين الخارجي، وهو حديث غير صحيح على اطلاقه، فإعفاء ديون السودان عبر برنامج إعفاء الدول الأكثر فقراً من ديونها الخارجية (الهيبيك) الذي أقره صندوق النقد الدولي بالتعاون مع البنك الدولي ودخل حيز التنفيذ في عام 1997 مشروط بإجراء إصلاحات اقتصادية بالاتفاق مع الصندوق مثل رفع الدعم السلعي بالإضافة الى سداد فوائد القروض، وهو أمر يحتاج الى وقت طويل وجهد مضنى ووجود موارد حقيقية بالإضافة الى اتفاق جميع الاطراف الداخلية عليه، وليس كما اعتراض الكثيرين عليه كما يحدث الآن .
كما خرج وزير الخارجية المكلف في مؤتمر صحفي مشترك مع وزيرة المالية مبشراً بمحاولات يقوم بها السودان لاستعادة أمواله المنهوبة في الخارج مما أدخل في روع الكثيرين إمكانية تحققها في وقت وجيز بينما الأمر، كما أوضحت مراراً وتكرراً، قد يحتاج الى سنوات طويلة جدا ربما تتجاوز العشرين سنة وإجراءات قانونية وقضائية معقدة، وردت في دليل أصدرته ثماني دول على رأسها أمريكا وبريطانيا وفرنسا قبل بضعة أعوام بناء على مبادرة أطلقتها الأمم المتحدة بالتعاون مع مجموعة البنك الدولي وعدة جهات أخرى لاستعادة الاموال المنهوبة (Star)، على رأس هذه الإجراءات إثبات ملكية الدولة لأموالها المنهوبة في الخارج عبر القضاء العادي العادل الذي يوفر للمتهمين كل فرص الدفاع عن أنفسهم، تلى ذلك خوض إجراءات قانونية أخرى مع الدول التي تحتفظ بتلك الأموال، وهو طريق طويل وشاق جداً !
لقد ضربت من قبل عدة أمثلة لدول سبقتنا في هذا المجال، نجح بعضها وفشل الآخر، مثل مصر ونيجيريا والفلبين وتونس، فبينما فشلت مصر تماما في استرداد قرش واحد فقط من اموالها في الخارج بعد سقوط نظام حسنى مبارك، رغم المجهود الضخم الذي بذلته والاستعانة ببيوت خبرة قانونية ومالية دولية عبر سنوات طويلة من المباحثات الشاقة مع حكومات الدول الخارجية ومنها حكومة سويسرا، نجحت نيجيريا في استعادة مبالغ من سويسرا نهبها الرئيس (ساني أباتشا)، ولكن بعد مباحثات دامت أكثر من سبع سنوات، بدأت بتحقيق أمنى واسع وأحكام قضائية في نيجيريا بمشاركة سويسرية بدأت في عام 1998، وانتهت باسترداد حوالى نصف مليار دولار في عام 2006 ، وملياري دولار آخرين في عام 2013 !
وهنالك تجربة الفلبين التي نجحت في استعادة حوالى 2 مليار دولار من جملة 10 مليار دولار نهبها الدكتاتور الفلبيني (فراند ماركوس)، ولكن بعد إجراءات وقضايا استمرت في المحاكم السويسرية أكثر من 17 عاماً، وكانت الدولة العربية الوحيدة التي نجحت في استرداد بعض أموالها المنهوبة في الخارج هي تونس وذلك باستعادة مبلغ 29 مليون دولار من لبنان ومبلغ 40 مليون دولار من سويسرا، بعد سنوات طويلة ومجهود مضنِ، وليس مجرد تفاهمات مع تلك الدول كما صورها الوزير المكلف للخارجية !
أتفهم أن حديث رئيس الوزراء ووزير الخارجية كان بغرض رفع المعنويات المنهارة بسبب الضائقة المعيشية الحادة وانسداد أبواب الحل، ولكن تكمن خطورته في انه عندما لا يتحقق بالسرعة او الطريقة المطلوبة، سيكون بمثابة الضربة القاصمة لآمال واحلام الشعب ومصداقية الحكومة، خاصة مع التخمة التي اصابتنا من الوعود والاكاذيب التي ظل النظام البائد يطلقها طيلة ثلاثين عاماً بدون أن يتحقق منها شيء!
صحفية الجريدة