اكثر ما يؤلم في مسيرة الفترة الانتقالية المتعثرة ذلكم الخصم المتواصل من رصيد شخصية الدكتور عبدالله حمدوك رئيس الوزراء، فقد حاز الرجل علي اجماع لم يحدث لمسؤول سوداني من قبل لكنه فشل في توظيفه والحفاظ عليه بعد سلسلة اخفاقات متواصلة وهزائم يومية اوصلت السواد الاعظم من الشعب الي حالة من الياس وجعلته يكفر بالتغيير.
ظلت شعبية حمدوك في تراجع مؤسف مع استمرار الازمات والخيبات الوطنية، اتحسر جدا ومعي كثيرون علي النزيف اليومي لشخصية الرجل الذي ادخره الشعب السوداني املا فاوسعه الما في صفوف الخبز والوقود والغاز ومع انهيار خدمات الصحة والمياه والكهرباء وتجميد مسيرة التعليم في البلاد، ومع سوء المعالجات التي قادت الي حرائق في اطراق كثيرة اخرها كسلا وبورتسودان.
مزق الشعب السوداني صكا علي بياض منحه حمدوك مع قدومه الي السلطة باعتباره الامل والمنقذ، تواري خلف ركام الماسي ووطاة الازمات هاشتاق (شكرا حمدوك) وصمت المغردون عندما طالت المعاناة وعبثت الحياة باحلام السودانيين في توفر اساسيات الحياة الكريمة.
لحظة تسنم د. حمدوك للسلطة
كنت قد نبهته الي ضرورة اهتبال سانحة الاجماع الذي حصده في اخراج السودان من ازماته المتناسلة وكتابة مجد في التاريخ لايقل في بهائه وتميزه عن اسهام (المهاتما غاندي ونيلسون ما نديلا ومهاتير محمد ) في تغيير حياة شعوبهم نحو الافضل..
نعم كان بامكان حمدوك بفعل ما وجده من شعبية جارفة لم تتوافر لزعيم سوداني قبله ان يكتب اسمه في سفر التاريخ ك(ملهم ومخلص) وزعيم استثنائي حاز قبل شعبية الشارع علي اجماع نادر جعله مرشحا من الانقاذ في ايامها الاخيرة لوزارة المالية ، ورئيسا لوزراء سلطة مابعد التغيير التي اطاحت بها في ذات الوقت.
للاسف الشديد ضاع املنا في حمدوك وتحول الرجل الي سياسي اشبه بالذين سبقوه حينما اختار ان يكون رئيس وزراء لقوي الحرية والتغيير لا كل السودانيين، وماتت احلام المواطن في المنقذ الذي راي ان يحكم الخرطوم فقط ويترك اطراف البلد الاخري نهبا للازمات والحرائق.
كنت ومازلت اتامل مستقبل التغيير من خلال النزيف المستمر الذي تتعرض له (شخصية حمدوك) برمزيتها المعلومة في فضاء التغيير والدولة، الرجل رفعته (الهاشتاقات الصاخبة) الي مقام القداسة ومنحته صكا مفتوحا لتقبل ما فعله وما سيفعله في المستقبل وهي تردد علي اي حال ( شكرا حمدوك).
حرص حمدوك للاسف علي ارضاء الناشطين وكورال التضليل الجماعي الذي يحاول التصفيق له في كل الاحوال، كان الاولى ان يوجه حمدوك اهتمامه للشعب السوداني الذي وضع فيه امالا عريضة وراهن عليه ك ( مخلص) و( ملهم) يمكن ان يفتح بينه وحجب الضياع التي تراكمت في افقه قبل وبعد الثورة،
مازلت عند رايي ان هنالك جهات تسوق الرجل عن عمد او تغييب الي نهايات فاشلة تمضي به حيث (الورطات) ومحارق التاريخ، اول هؤلاء من يرون في الاسم قداسة لا تقبل مجرد انتقاده او الاشارة الي ما يلازم مسيرته في الحكم من اخفاقات علي كافة الصعد، اولئك الذين يوهمونه بان الشعب سيحتمله حتي وان تمددت واستمرت معاناته في صفوف الوقود، وتضاعفت الاسعار المنفلتة اصلا الي ثلاثة اضعاف ، الذين يوهمون حمدوك انه يسير في الاتجاه الصحيح حتي وان مات الناس في صفوف الخبز والوقود ، امثال هؤلاء هم الخطر الذي احرق حمدوك وقضي علي امال السودانيين في التغيير.
لاادري هل هي المؤامرة ام ترتيب الاقدار، لكن ورطة و خطة افشال حمدوك لم تبدا في كسلا حينما ترس المواطنون الشوارع واحرقوا الاطارات في سابقة لم تحدث لاي زعيم سوداني من قبل. افشال حمدوك بدا منذ ان صرفته حاضنة قوى الحرية والتغيير عن اختيار ( حكومة كفاءات)، وامدته باسماء الناشطين من اصحاب التجارب الضعيفة.
لم تكن الحكومة التي اختارها الرحل تحت ضغط الاحزاب تتناسب باي حال من الاحوال مع تحديات البلد ، كانت عبارة عن تشكيلة انتهازية في مهمة لتوزيع الغنائم، والحصول فقط علي (ثمن ) المشاركة في الصبة والمظاهرات، ولانهم لم يكونوا كفاءات فقد اغرقوا الرجل في وحل الاخفاقات وانصرفوا لتعظيم المكاسب وتصفية الحسابات السياسية والغبائن الشخصية، وبدلا عن الانصراف الي اولويات الحكم خلال المرحلة الانتقالية بما يحقق الاستقرار السياسي والاقتصادي ويرفع عنت مشقة المعيشة علي الناس ، (انشر) الناشطون في سياسات وبرامج وشعارات لا تلامس جراح الواقع البائس ، ظلت حكومة حمدوك مرهقة ب(المواكب والصبات والتظاهرات) ،احرجوها بالمواجهات والمذكرات ، لم يتركوا لها وقتا لتعمل ، ظل الرجل يشتكي من حيف الحلفاء قبل مكر الاعداء، حمدوك لم تضره معارضة الفلول ولا ( عمايل ) الدولة العميقة التي لم تعد تقو علي فعل يؤذي ، لم يهزمه الاعلام او تؤزمه المقالات الصحفية ولا حراك السلفيين او برامج المناوئين، الرجل اقعدت به منظومته واضر به الحلفاء والاصدقاء ، القدامي والجدد – قبل الاعداء.
حزين جدا للمجد الذي اضاعه حمدوك، وللفرص التي اغتالها مع سبق الاصرار والترصد، كان بالامكاز ان يعبر وينتصر بالفعل لكنه سلم امره لحاضنة كسيحة تقعد بها الخلافات ففقد وضعيته كمخلص وملهم انتظرناه لصياغة الدنيا وتركيب الحياة القادمة وتحقيق الامن والحرية والسلام والعدالة..
صحيفة اليوم التالي