ومن حكايات جحا، تخاصم زوج مع زوجته ثم قصد جحا ليحكم بينهما، فحكم له جحا قائلاً: (موقفك صاح).. وغضبت الزوجة عندما سمعت بحكم جحا، وقصدته ثم سردت له تفاصيل الخلاف، فحكم لها جحا بلا أي تلعثم: (كان كدا موقفك إنتي الصاح).. ولكن زوجة جحا – وكانت قد رصدت الحكمين المتناقضين – عاتبته وطالبته بأن يكون عادلاً، وأن الحكم مرة لصالح الزوج وأخرى لصالح زوجته ليس عدلاً ولا حلاً للأزمة، فردّ عليها جحا سريعاً: (إنتي برضو موقفك صاح)..!!
:: وليس فقط في قضية كسلا ومأساة أهلها، ولكن من يرصد مواقف وأحكام رئيس مجلس الوزراء في كل قضايا البلاد وأزمات شعبها، يكتشف أنّها مواقف وأحكام تجتهد أن تحكم لصالح جميع أطراف القضايا والأزمات.. وقديماً قالوا إذا أردت أن تكون فاشلاً، فحاول أن ترضي الجميع، أي كما يفعل رئيس مجلس الوزراء.. وعلى سبيل المثال، بتعيين عمار صالح والياً لكسلا، أراد أن ينال رضاء قوى الحرية ولجان المقاومة بكسلا، ولم يُكلف نفسه عناء دراسة آثار هذا الترشيح في مجتمع الولاية..!!
:: وبقرار إعفاء عمار صالح من منصب الوالي – بعد تسعة أسابيع من التعيين – أراد رئيس الوزراء إرضاء قبائل الهدندوة وناظرها محمد الأمين تِرِك، ولم يُكلف نفسه دراسة مخاطر هذا القرار.. واليوم، وخاصة بعد مجزرة الخميس، لو جاء إلى الخرطوم – على رأس وفد رفيع المستوى – ناظر عموم قبائل البني عامر دقلل علي إبراهيم، وطالب رئيس الوزراء بإعادة تعيين عمار صالح والياً لكسلا ذاتها، فلن يتردّد رئيس الوزراء عن إرضائه.. حمدوك لا يُغضب أحداً ولا يرفض طلباً، بل عُيِّن في هذا المنصب ليوافق و(يبصم)..!!
:: وبالمناسبة، فإن نهج حمدوك هذا، ليس لضعف شخصيته، بل لسطوة قوى الحرية وديكتاتوريتها عليه.. نعم، فالرجل مُقيّد بقيود قوى الحرية، لحد إظهاره بكل هذا الضعف.. وقُلتها قبل عام، عندما اختاروا له وزراء حكومته الفاشلة، بالنص: لقد أخطأت قوى الحرية بعدم تفويض حمدوك باختيار أعضاء حكومته (كما يشاء)، وما كان يجب إلزامه بترشيحات أحزاب الحرية والتغيير، وكان على رئيس وزراء حكومة الثورة رفض سياسة (نريِّسك ونتيِّسك)..!!
:: كان هناك خيار الإبقاء على الولاة الذين عيّنهم المجلس العسكري، أو آخرين من القوات المسلحة والشرطة، ببعض الولايات المُلتهبة، ومنها ولاية كسلا، لحين التوقيع على اتفاقية السلام مع الحركات المسلحة، ولكن قوى الحرية رفضت هذا الخيار، وألزمت رئيس الوزراء برفضها.. وكان هناك خيار اختيار قدامى المحاربين، ومن أحالهم النظام المخلوع إلى الصالح العام، في بعض الولايات الملتهبة، ومنها ولاية كسلا، ولكن رفضت قوى الحرية هذا الخيار، وألزمت رئيس الوزراء بالرفض..!!
:: وبعد كل هذا الرفض، لم تتحسب قوى الحرية – لمخاطر الاستقطاب القبلي – ولو باختيار الولاة من خارج الولايات.. نعم، لمكافحة الاستقطاب القبلي بكل السودان، بما فيها كسلا، ومن أجل وحدة ما تبقى من الوطن، كان على عباقرة قوى الحرية تعيين عمار صالح والياً لجنوب كردفان، وحامد بشير والياً لكسلا، فهذا على سبيل المثال.. لم يفكروا في درء المخاطر عن كسلا بمثل هذه الحلول وغيرها.. وصدق رئيس الوزراء الإثيوبي عندما وصفهم بالنُّشطاء.. وكما تعلمون، فالنشطاء عقولهم في حناجرهم، أي لا تصلح لغير التهريج..!!
Tahersati@hotmil.com