مناظير _ المهدى المنتظر ! زهير السراج
اصبح (حميدتى) يتصدر كامل المشهد ويوزع النصائح والارشادات يمينا ويسارا متخيلا نفسه (تارةً) البطل المرتجى الذى يدق الصخر فيُخرج لنا زرعا وخضرة، والخبير الاستراتيجي أو المحلل السياسي (تارة أخرى) ناقدا ومحللا للأحداث، وفي بعض الأحيان أحد المواطنين أو الثوار الغاضبين من الأوضاع المتردية ، ناسيا أنه نائب رئيس المجلس السيادي، هذا المنصب الذى اخترعه لنفسه أو أُخترع له حتى يوافق على فتح (فطيرة الوثيقة الانتقالية) وتعديل المواد الخاصة بتعيين رئيس القضاء والنائب العام التي أخطأت قوى الحرية والتغيير في صياغتها وكانت الخطوة الأولى في إضعاف القوى المدنية والاستسلام لرغبات العسكر ومعظم المصائب التي نعانى منها الآن .. ولا يدري أحد الدستور الذي يستند عليه هذا المنصب السيادي الذي استغله (حميدتى) ليفرض نفسه على رئاسة الوفد الحكومي للمفاوضات في جوبا وإعاقة التفاوض مع الحركات المسلحة ذات الوزن الشعبي الحقيقي في مناطقها، وتوقيع اتفاق كارثي مع حركات ليس لها وزن ليستغلها في تحقيق مطامع شخصية له !
وناسيا انه فرض تعيين شخصه على رأس اللجنة الاقتصادية والمسؤول الأول عن إدارة الاقتصاد في البلاد فأودى به الى الهلاك!
وناسيا انه قائد قوات الدعم السريع التي تتمتع باستقلالية كاملة عن القوات المسلحة واية جهة اخرى في الدولة، حصلت عليها بواسطة قانون قوات الدعم السريع الذي فرضه المخلوع في عام 2017 ووافق عليه المجلس الوطني الهزيل الذى كان تابعا ذليلا له، رغم انف المذكرة التفسيرية لوزارة العدل التي رفعتها الى المجلس الوطني بتاريخ 23 اكتوبر، 2016 وأفتت فيها بعدم دستورية القانون وانتهاكه لقانون القوات المسلحة وانتقاصه من سيادتها وسلطتها العسكرية واحتكارها للسلاح، وسماحه بإنشاء قوات عسكرية مستقلة ليس للقوات المسلحة سلطة عليها، وهو ما يمكن أن ينذر بشر مستطير إذا تواجه الجيشان في المستقبل لأي سبب من الاسباب!
ولقد حدث ما حذرت منه وزارة العدل، فأصبحت لحميدتي السيادة الكاملة على القوات، يعين ويرفد ويعاقب ويرقي على كيفه، ويحارب بها في الخارج ويقيم العلاقات والتحالفات باسم السودان الذي لا ينتفع منها بشيء، كما يستغلها في الداخل للسيطرة على الكثير من الموارد الاقتصادية وإنشاء الاستثمارات والشركات الضخمة التي تعمل في كل المجالات بدون أن يكون لأحد الحق في السؤال عنها، دعك من مراقبتها ومراجعتها، وعندما تنازلت الشركة مالكة (جبل عامر) المنتج للذهب نتيجة الضغط الشعبي المتواصل، صدر أمر لوزارة المالية بدفع تعويض أو (جزية) مقابل التنازل مقداره (مبلغ خمسين مليون دولار)، فاستجابت الوزارة للأمر صاغرة ذليلة، ولم تكبد نفسها مشقة التأكد أو حتى المراجعة من أن الجبل يستحق بعد كل تلك السنوات من الاستهلاك المتصل الجزية الضخمة المطلوبة، رغم الافلاس المدقع للبلاد وشظف العيش وانعدام الغذاء والدواء وكل ضروريات الحياة!
بعد كل هذه السلطات الضخمة والانتفاع بموارد البلاد والتمتع بخيراتها وثرواتها بدون وجه حق، يمثل (حميدتي) دور البطل المنقذ والخبير الاستراتيجي أو الثائر الغاضب موجها النقد واللوم للآخرين في جرأة بالغة ناسيا أو متناسيا نفسه وموقعه الرسمي والسلطات الهائلة التي يتمتع بها، ويتصرف وكأنه برئ من كل ما حدث ويحدث من دمار وخراب .. وينتظر من الشعب أن يخرج مصفقا له وهاتفا باسمه !
ولا بد هنا ان أتساءل للمرة المليون، لماذا لم يتم إلغاء قانون قوات الدعم السريع حتى هذه اللحظة، وإعادة هيكلة قوات الدعم السريع واختيار العناصر الصالحة للخدمة العسكرية المهنية وتأهليها ودمجها في القوات المسلحة ووضعها تحت إمرة القائد العام للقوات المسلحة تحت كل الظروف والأحوال، وليس فقط في حالة صدور قرار من القائد الأعلى للقوات المسلحة (رأس الدولة)، وفى حالتي الحرب واعلان الطوارئ، كما ينص القانون الحالي لقوات الدعم السريع لعام 2017؟!
لقد تعهد الفريق اول (عبد الفتاح البرهان) أكثر من مرة، آخرها في مارس الماضي خلال احتفال بإستاد الكلية الحربية بتخريج دفعة جديدة من قوات الدعم السريع، بإعادة هيكلتها وتنظيمها بما يتوافق مع الدستور ومتطلبات البلاد ومهام هذه القوات، فلماذا لم تتحقق هذه التعهدات حتى الآن، إلا إذا كان من يطلقها في انتظار أن تتحقق من تلقاء نفسها، او يتكرم المهدى المنتظر بالموافقة على تحقيقها!
صحفية الجريدة