جميعنا يذكر الشهامة والمروءة والنخوة والوطنية الجارفة التي تعامل بها عضو (المجلس العسكري حينها) قائد قوات الدعم السريع لمواجهة أزمة المواصلات المفتعلة قبل قرابة العام، وهو يدفع بسيارات الدفع الرباعي والبكاسي الخاصة بقوات الدعم السريع لنقل المواطنين من المواقف واطراف العاصمة إلى داخلها والعكس، وكيف وجد ترحيبا حارا من البسطاء بهذه المبادرة التي كفتهم معاناة الانتظار لساعات في الشوارع ذهابا وإيابا، وكيف صار حميدتي في نظرهم كمنقذ أوحد ترفع له القبعات، وكيف قابلها النشطاء بالاستنكار ووصفوها بالتسلق عبر سلم الأزمات.
اليوم تتكرر ذات الأزمة وأزمات أخرى وبحدة أكثر من سابقتها وذات قائد قوات الدعم السريع موجود، وفي مناصب أرفع وأعلى وفي يده سلطة مطلقة تمكنه من حلحلة أزمة المواصلات وجميع أزمات البلد، ولكنه لم يفعل.
حميدتي الآن نائبا لرئيس مجلس السيادة، ورئيسا (للجنة الإقتصادية) المعنية بمعاش الناس وأزمات البلد المستفحلة، ولكنه لم يتحرك هذه المرة ويدفع بسيارات الدعم السريع لنقل المواطنين كما في السابق، ولم يجتهد كما في السابق للظهور الإعلامي ليكشف بأسلوبه المعهود المتسببين الحقيقيين في الازمات المتكررة، إكتفى فقط بالإعتذار عنها للشعب ولم ينسى ان يطعن هنا وهناك وفي (ظل الفيل) في إشارة منه لفشل حكومة حمدوك، وسار في ذات إتجاه رئيسه البرهان بالاعتذار المضحك للشعب مطالبا اياه بالصبر، وهو يعلم تمام العلم من هو المتسبب الرئيسي في كل هذه الأزمات، ومن هو صاحب المصلحة الأكبر في ذهاب حكومة المدنيين.
ويعلم الرئيس ونائبه بالنقطة والشولة المخطط المرسوم بعناية لإجهاض الثورة، ومن يقف وراء الدعوة لمليونية 21 اكتوبر.
حكومة الثورة لا تتم مقايضتها برغيف أو بنزين، الشعب يعي تماما أن ما يحدث من ازمات خانقة ما هو إلا جزء من المخطط البئيس لإستيلاء العسكر على السلطة تمهيدا لعودة النظام السابق وبقية القصة معلومة.
نعم الحكومة تعاني سوء إدارة، وتعاني من ظلم ذوي القربى وأعني بهم (الشركاء العسكريين) وبعض الطامعين في إعادة (شكَة القائمة)، إلا أن ذلك لا يجب ان يكون مدعاة للخروج في مليونية وتعريض الثورة لخطر الإنقضاض عليها من ذئاب المحاور الإقليمية والباحثين عن السلطة.
الخروج المنصف أن يكون للمطالبة بتصحيح مسار الثورة بتكوين المجلس التشريعي أولا وقبل أي شيء وإعلان الشفافية ميثاق شرف ووثيقة بين الحكومة وشعبها.
الحكومة مع مطلع العام الحالي، أكدت أن هناك بطاقات ذكية ستطرح للمواطنين لحل الأزمات الإقتصادية، وتحديدا لدعم سلعتي (الوقود ورغيف الخبز)، وعبرها ستتم محاربة التهريب، إلا أن أيا من ذلك لم يحدث إلا بعد مرور عشرة أشهر وفي مناطق جغرافية محددة جدا.
ما يحدث الآن عمل تخريبي بإمتياز الغرض منه كسب الزمن لسحب البساط من قوى إعلان الحرية والتغيير لصالح التحالف الجديد الذي يضم في عضويته عدد من الأحزاب التي لم تجد لها موطئ قدم في حكومة الثورة ومن بينها بعض الحركات المسلحة التي يقف ورائها العسكر بقوة.
لذا فالواقع يتطلب أن ينام الشعب بعين مفتوحة ولا ينجر وراء الدعوات المفخخة لقوى الظلام، وعلى قوى إعلان الحرية والتغيير التحلي بروح الثورة الأولى والعودة لطاولة السلام الداخلي فيما بينها والابتعاد عن التكتلات والخلافات، وإبعاد أصحاب الاجندة الداخلية والخارجية من داخل هياكلها، والوقوف لجانب المواطن وتلبية تطلعاته، والضغط على حمدوك بتغيير الوزراء والمسؤولين غير الأكفاء فورا، والأسراع في قيام مجلس تشريعي ثوري حقيقي يكون العين الساهرة على الوطن في ظل غياب الأجهزة الأمنية في رحلة سعيها المحموم لإعادة ضبط الوضع لما قبل 30 يونيو.
صحفية الجريدة