واضح من الواقع المُعاش أن مسيرة حكومة الثورة دون طموحات الثوار الذين حملوها إلى مقاعد السلطة بتضحياتهم ودماء رفاقهم الشهداء.
لا شك في أن الحكومة ورثت تركة مثقلة من الخراب الذي لا يمكن إصلاحه بين يومٍ وليلة، كما أن جهود الحكومة تصطدم بالعوائق التي تضعها قوى الثورة المضادة ممثلة في بقايا النظام المباد في كثير من مفاصل الدولة إضافةً لضعف الحاضنة السياسية واضطراب الشراكة مع المكون العسكري.
الشعب السوداني على استعداد لخوض معركة التغيير والبناء مع حكومته والصبر على مختلف أنواع المعاناة إذا توفر لدى الحكومة وضوح الرؤية والإرادة الجادة للتغيير والبناء، ولكن ما لا يمكن الصبر والسكوت عليه هو فقدان المصداقية والشفافية لأن ذلك يمثل إهانةً للشعب وخيانةً لدماء شهدائه.
للأسف، هناك وقائع لا حصر لها تؤكد تدني منسوب المصداقية والشفافية لدى الحكومة إلى مستوى لا يليق بحكومة ثورة ممهورة بدماء الشهداء وتضحيات ثلاثين عاماً من المقاومة الباسلة .. على سبيل المثال:
قبل فترة نفى د. عبد الله حمدوك، رئيس الوزراء، أن يكون مبلغ التعويضات لأسر ضحايا العمليات الارهابية المتهم فيها نظام البشير قد تم شراؤها من السوق الموازي، بينما أكد الفريق حميدتي، رئيس اللجنة الاقتصادية، أن مبلغ التعويضات البالغ أكثر من ثلاثمائة مليون دولار تم شراؤه من “سوق الله أكبر” وهو ما تسبب في انهيار قيمة الجنيه السوداني بوتيرة غير من مسبوقة .. الغريب أن حمدوك لم ينفِ تصريحات حميدتي وفضل الصمت في قضية تضع مصداقيته على المحك!
قبل مغادرة البدوي لوزارة المالية أصدرت الحكومة قراراً بمضاعفة الرواتب، وحينها عبّر كثير من الاقتصاديين عن مخاوفهم من آثار كارثية لهذا القرار على واقع الاقتصاد باعتبار أن الحكومة لا تملك مصادر حقيقية لتمويل هذه الزيادات، ولكن رئيس الوزراء بدّد هذه المخاوف وأكد في لقاء تلفزيوني – مع الاعلامي شوقي عبد العظيم – أن حكومته لديها مصادر “حقيقية” لمقابلة زيادات الرواتب، ثم اتضح لاحقاً عدم وجود مصادر سوى طباعة العملة مما انعكس على زيادة نسبة التضخم بل، لأول مرة في تاريخ السودان، عجزت الحكومة عن سداد الرواتب كاملة لبعض القطاعات .. ومرة أخرى لزم رئيس الوزراء الصمت ولم يتكرم بالتوضيح للشعب المطحون بالمعاناة الاقتصادية!
أخيراً، حمل خطاب مبذول في وسائط التواصل الاجتماعي صادر من وزيرة المالية توجيه الوزيرة للشركة السودانية للموارد المعدنية بسداد مبلغ خمسين مليون دولار لشركة الجنيد “التابعة للدعم السريع” كتعويض عن تنازلها عن منجم جبل عامر دون أن توضح الوزيرة للرأي العام ملابسات وحيثيات هذا القرار الغريب والمريب في وقتٍ تعجز فيه وزارة المالية عن تدبير بضعة ملايين من الدولارات لتوفير دقيق الخبز .. كذلك راجت أنباء عن بيع أكثر من ثلث أسهم شركة “سودامين” الحكومية العاملة في مجال التعدين لشركة “الخدمات المتكاملة” التي يقال أنها أيضاً تتبع للدعم السريع .. وفي الحالتين يظل الصمت المطبق وعدم توضيح الحقائق للشعب صاحب “الجلد والراس” هو موقف الحكومة !!
فهل تعي حكومة حمدوك حجم الكارثة التي ستقود إليها الثورة، ام ستتراجع عن سلوكها المتعالي تجاه الشعب.
صحفية الجريدة