“دعوة للواقعية”
كثرت هذه الأيام حالات الطلاق بين الشباب. فالكثير من العائلات السودانية في الداخل والمهاجر تضم الى حضنها في حزن، صبية طليقة وطفلٌ فقد والده بأبغض الحلال.
إننا لا نبرئ ساحة الصبايا، ولكن للأسف فإن أغلب الحالات تعود للصبيان الذين يظنون أن الزواج كرنفالاً من الحب والرومانسية، فيضطرون للهروب من وعثاءه وتجاربه الواقعية بلا عودة.
ليتهم يقرأون هذه الحكاية لعمر بن الخطاب لفتى مثلهم يظن أن مؤسسة الزواج هي محض حب وعاطفة تجريدية. قيل أن فتىً جاء إلى الفارق يريد طلاقه امرأته. فقال له عمر: ولم؟ قال: إني لا أحبها فقال عمر: أوكل البيوت بُنيت على الحب! فأين المروءة والذمة؟
“أمبراطورية الزهد”
ومن العمريات أيضاً ما يصلح أن يُعلق على باب القصر الجمهوري. هذا التشديد الاخلاقي على امتيازات الحاكم الذي يمتد تقشفه حتى أهله خوف الادعاء والاتهام.
فقد رأت حفصة ابنة الخليفة الامبراطور حالة الزهد التي ضربت جسد وصحة وسيماء والدها فقالت مشفقة: ما عليك لو لبست ثوباً ألين من هذا، وأكلت طعاماً غير هذا، قد فتح الله عليك الأرض وأوسع الرزق؟ وقال له، غيرها مثل هذا القول.
فرد عليهم: إنما مثلي ومِثلكم كقوم سافروا فدفعوا نفقاتهم إلى رجل منهم فقالوا: أنفق علينا فهل يحلُ له أن يستأثر بشي منها؟ قالوا: لا قال: فذلك مثلي ومثلكم
“شعرة معاوية”
الكثير من الكتاب والصحفيون والساسة يستدلون في الوصل السياسي والاعتدال في معاملة الآخر بمقولة شعرة معاوية. وإكمالاً للفهم فإني أحببت أن أوثق العبارة بأصلها حتى يتم الاستخدام الصحيح. ( بالمناسبة الكثير من العرب يتعجبون لسماحة السودانيين الذين يقولون في كتابتهم وحديثهم سيدنا علي وسيدنا معاوية)
وها أنا ذا أفعل قال سيدنا معاوية بن أبي سفيان: إني لأضعُ سيفي حيث يكفيني سوطي، ولا أضع سوطي حيث يكفيني لساني، ولو أن بيني وبين العامة شعرة لما انقطعت. قيل له: وكيف ذاك؟ قال: إن جذبوها أرخيتها، وإن أرخوها مددتها
“روشتة ضد الهرم”
صحيح أن العجز والشيب وتقادم السنين دعوة للمغادرة وإذنٌ بالانصراف إلا اذا كان له تبرير وحكمة مثل إجابة هذا الشيخ على الخليفة.
فقد روي أن سليمان بن عبد الملك دخل مسجد دمشق، فرأى شيخا فقال: يا شيخ أيسرك أن تموت؟ فقال: لا والله. قال: ولم وقد بلغت من السن ما أرى؟ قال: نُفي الشباب وشرُّه، وبقي الشيب وخيره، فأنا إذا قعدت ذكرت الله واذا قمت حمدت الله، فأحب أن تدوم لي هاتان الحالتان
“من باب حسن التخلص”
أُبتلي المسلمون في عهد الواثق بالله بفتنة خلق القرآن للمعتزلة والتي تصد لها الأمام احمد بن حنبل وذاق فيها الاضطهاد والعذاب. وقد ساند الواثق سياسيا فقه المعتزلة واضطر بعض القائلين بفقه أحمد بن حنبل للهجرة والبعض بالسجن وآخرون اتخذوا حيلة البلاغة دريئة.
وقد جاء في هذا أن رجلا من اصحاب احمد بن حنبل أُدخل الى الواثق فقال له: ما تقول في القرآن؟ فتصامم الرجل، فأعاد السؤال فقال: من تعني يا أمير المؤمنين؟ فقال: إياك أعني! فقال: مخلوق. وتخلص منه
“بلاغة وأناقة”
قيل: كان بين الحسن والحسين رضي الله عنهما كلام ( شيٌّ من الاختلاف). فقيل للحسين: ادخل على أخيك فهو أكبر منك. فقال: إني سمعت جدي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أيما اثنين جرى بينهما كلام، فطلب أحدهما رضا الآخر كان سابقه إلى الجنة، وأنا أكره أن أسبق أخي الأكبر) فبلغ قوله أخاه، فأتاه عاجلا وأرضاه.
لقد صدق استاذنا الراحل العالم الشاعر بابكر دُشين معلقا على الحكاية: ردود أبناء الصحابة بليغة، ولكن ردود أبناء علي كانت بليغة وعميقة وأنيقة.
“قُم”
في كثير من الأحيان قد تسعفك أسماء الاشخاص والأمكنة على التخلص من المأزق الرد دون إطناب. ومن هذا الباب أطال رجل المكث في مجلس الصاحب بن عبّاد ولم يقتد في القيام بغيره فقال له: من أين؟ فقال: من قُم، قال: إذن فقُم
“الأسلوب الأنيس في محادثة الرئيس”
وددت لو أن أهل الفقه والقضاء يخرجون علينا كتابا عن فقه وأدب واجتهاد الامام الشعبي الذي كان يُعد آية عصره في العلم والفقه والزهد والظُرف وحب العامة وله أيضا نوادر مع الأمراء والخلفاء والأعيان.
فقد دخل يوما على الحجاج فقال له: كم عطاءك؟ قال: ألفين
قال: ويحك! كم عطاؤك؟ قال: ألفان
فقال: فلم لحنت فيما لا يلحن فيه مثلك؟
قال: لحن الأمير فلحنت، وأعرب الأمير فأعربت، ولم أكن ليلحن الأمير فاعرب أنا عليه، فأكون كالمقرع له بلحنه، والمستطيل عليه بفضل القول قبله. فأعجبه ذلك منه، ووهبه مالاً
“من هؤلاء جاء أهل السودان”
رغم انف المسغبة والفقر وقلة الحيلة والمعين إلا أن الضيوف والغرباء وأهل الطريق الذين ينزلون على قبائل السودان في البادية، يجدون مثل هذا الكرم كما في الحكاية بل أكبر وأكثر.
ومن خالص العرب جاء أهل السودان إن لم يكن بالدم فبالدين ومكارم الاخلاق
قيل لقيس بن سعد هل رأيت قط أسخى منك؟ قال: نعم نزلنا بالبادية على إمرأة فجاء زوجها، فقالت: نزل ضيفان. فجاء بناقته فنحرها وقال: شأنكم أي تفضلوا الى الطعام، فلما كان من الغد جاء بأخرى فنحرها وقال: شأنكم. فقلنا: ما أكلنا من التي نحرتها البارحة إلا قليلا. فقال: إني لا أُطعم ضيفا من البائت
فبقينا عنده أياما والسماء تمطر وهو يفعل ذلك. فلما أردنا الرحيل وضعنا مائة دينار في بيته، وقلنا للمرأة: اعتذري لنا. ومضينا. فلما ارتفع النهار إذا برجل يصيح خلفنا، قفوا أيها الركب اللئام. أعطيتمونا ثمن قِرانا ثم إنه لحقنا وقال: خذوها وإلا طعنتكم برمحي هذ. فأخذناها وانصرفنا
“عندما تبتسم الخرطوم”
في هذه الأيام العصيبة يكافح السودانييون الابتلاءات بصناعة النكتة وزرع الابتسامة على الشفاه اليابسات، فالضحكات في أجواء الرهق تبلل بندى الفرح القلوب الواجفات . فمن ألطف ما سمعته قصة الرباطابي الذي غاب يوماً لقضاء بعض حوائجه فلما حضر وجد أن (مطرة) غزيرة قد أذابت بيت (الجالوص) فتركته أثرا بعد عين ولم يجد شيئا واقفا إلا (دش) الحمام فاقترب منه مخاطبا: إنت قلت للمطرة دي أنا زميل؟