سلامة الجسد من سلامة القلب .. فإن إعتل القلب .. فلن تجدى كل المعالجات الأخري على بقية الأعضاء .. هذه قاعدة طبية ولكنها تنطبق تماما على الإقتصاد .. وستظل قناعة متجذرة لدى الكثيرين .. بأن صلاح الإقتصاد السودانى يبدأ من إصلاح البنك المركزى .. فالبنك المركزي بسياساته و منشوراته وإجراءاته ورقابته وإشرافه .. هو الجرار الذى ينبغي أن يتقدم عجلة الإقتصاد .. ولكى نحاكم هذا البنك المركزى .. للنظر فى مدى أهليته للقيام بهذا الدور .. فلن نحتكم إلا لما يصدر عنه .. وحيث أن بنك السودان المركزى قد إعتاد على إصدار سياساته الموجهة فى مطلع كل عام مالي .. فسنعود لتلك السياسات .. ثم لننظر بعد ذلك .. فى مدى نجاح البنك المركزى فى تنزيل تلك السياسات على أرض الواقع ..!
في مطلع العام 2020 هذا .. أصدر البنك المركزى مصفوفة مالية إقتصادية درج البنك المركزى على إصدارها مطلع كل عام بعنوان عريض هو .. سياسات بنك السودان المركزى .. وفى عرض غير مخل لموجهات تلك السياسات أصدر المركزى إيجازا صحفيا مطولا جاء فى فقرته الأولى نصا .. ( اعلن بنك السودان المركزي ان سياسات البنك للعام 2020 انتهجت نهجاً جديداً من حيث الشكل والمضمون يقوم على الاهتداء بأفضل الممارسات في البنوك المركزية في العالم ، حيث ركزت على الاهداف الرئيسية الأصيلة للبنك المركزي (الاستقرار النقدي والاستقرار المالي) ) .. وبالعودة الى تلك السياسات .. فقد اعلن المركزى صراحة ودون مواربة أن سياساته لهذا العام لها هدفين اثنين فقط لا غير .. الأول تحقيق الإستقرار النقدى .. والثانى تحقيق الإستقرار المالى .. والآن ونحن نقترب من الربع الأخير من العام المالي الذى يفترض أن تتحقق فيه أهداف سياسات المركزى المعلنة .. قد يكون السؤال محرجا .. إن سألنا .. ماذا تحققت من أهداف سياسات البنك المركزى والعام المالى يشارف خواتيمه ..؟ لن يكون عصيا على أي مراقب .. أو حتى أي مواطن أن يجيب بأن هدفي المركزى المعلنين مطلع العام .. لجهة تحقيق الإستقرار المالى والإستقرار النقدى .. لم يتحقق منهما شيء ..!
و طبيعى أن يكون السؤال التالي .. ولما لم تتحقق تلك الأهداف ..؟ صحيح أن هناك العديد من الأسباب التى يمكن إيرادها .. كانت سببا فى فشل الوصول الى الإستقرار المالى والنقدي .. وصحيح كذلك أنه غنى عن القول أن كل الأسباب لم يكن خلفها البنك المركزى .. ولكن الصحيح ايضا .. أن منشور سياسات المركزى .. مطلع العام .. قد إحتشد بالموجهات والشروط التى تهدف لتحقيق الهدفين المعلنين فى صدر سياساته تلك .. مما يجعل السؤال المنطقى .. لأى مدى إلتزم البنك المركزى بموجهاته نفسها ..؟ ولأي مدى تابع المركزى تنفيذ تلك الشروط التى أصدرها لدى الجهات المعنية بتلك الشروط ..؟ فالأجابة على هذه الأسئلة وحدها هى التى ستحدد مدى مسئولية المركزى عن التدهور الإقتصادى الذى تعيشه البلاد الآن ..!
ولأن الأوعية المعنية بتطبيق موجهات المركزى وصولا لتحقيق هدفيه لهذا العام .. الذى يلفظ أنفاسه .. هى الأساس .. فلنقرأ ما نصت عليه سياسة 2020 و موجهاته .. ( تضمنت الموجهات تحديث وتعزيز حوكمة المصارف بإلزام مجالس اداراتها بممارسة مزيد من الشفافية تجاه ادارة الاموال بما يحقق الحوكمة الرشيدة واتاحة الفرصة لصغار المساهمين للتمثيل في مجالس الادارات بالاضافة لتدعيم مجلس الادارة بعدد اضافي من الخبراء ومنحهم صلاحيات أوسع وفصل المهام بين المستويات الاشرافية والتنفيذية ومنح الادارات التنفيذية مزيدا من الاستقلالية وتطبيق أفضل الممارسات التي تعزز استمرارية المصارف وديمومة الوساطة المالية الذي تقوم به.) .. هذه الموجهات تفترض بالطبع أن المركزى قد بدأ بنفسه .. فلننظر ماذا فعل المركزى فى ذلك غدا ..!