جزى الله الشدائد كل خير
وإن كانت تغصصني بريقي
وما شكري لها حمداً ولكن
عرفتني عدوي من صديقي
هكذا قال الإمام الشافعي وحق له ان يقول ذلك لأن جميع أمور الحياة لا يتستطيع المرء أن يتعرف على كنهها و حقائقها إلا بعد اختبارها ، ومن أعظم تلك الاختبارات التي يمكن أن يعرف بها معادن الناس هي المصائب والكوارث التي بها يتم الكشف عليهم من أجل التمحيص والغربلة لتظهرهم بمعادنهم الأصلية و لهذا لم يكن هنالك إختبار أعظم منها ، و التي تظهر نتائجها فوراً و على حقيقتها بدون رتوش أو مكياج و هي التي تفضح النتائج السلبية
وعند حدوث هذه المحن و البلايا يستطيع المرء إكتشاف الحقيقة و زيف المواقف التي يتجمل بها الناس أمامه من الذين يحيطون به لحظة وقوعها و تكون ننائجتها على حقيقتها المجردة و سوف تنفى الظن المغلوط عن الذين يعتقد المرء بانهم أصبحوا على مقربة منه ، ولكنهم يكونون على مسافة بعيدة عنه عند وقوع هذه الشدائد و حينها يكتشف أن من يعرفه هو شخص آخر كأنه لم يسبق عليه التعرف به.
هذا الإبتلاء العظيم و الإختبار الكبير الذي أوقعنا فيه النيل و الذي لم يمهل فيه شعبنا بريهةمن الزمن ليلملموا من تحت وسائدهم أبسط ضرورياتهم التي يمكن حملها في جيوبهم .. ولكنه في نفس الوقت كشف لنا خلل الروابط الإجتماعية بين بعض افراد شعبنا داخل السودان و سلحفائية الإحساس الحكومي تجاه قضايا الوطن القومية و عدم إكثراث القطاع الخاص بهذه المصيبة و بعد الشقة و المسافة الافريقية عنا و الصمت العالمي تجاه مصيبتنا التي تحملها الشعب لوحده وتركوه ليواجه مصيره منفرداً يصارع وفق إمكنياته المحلية .. فبدأ يكافح ولا يدري من اين يبتديء وأين تكون النهاية فالمياة قطعت الناس في جزر فأصبح الغرق مصير الكثيرين منهم ، و كما قيل فإن الغريق يتعلق بالقشه ، عساها أن تنقذه من مصيره المحتوم ولكن السؤال هل يمكن ان تنقذ القشة غريقا ؟ فكنا حينها ننظر و ننتظر الموت لوحدنا حتي رست بحمد الله على شواطئنا سفن إخوتنا العرب من أجل نجدتنا .. فحتي الصومال الفقيرة ليس لها ما تقدمه لنا ولكنها قامت بإعفاء كل السودانيين المخالفين علي ارضها من الغرامات المترتبة عليهم تضامنا منها مع الكارثة وفتحت لنا مصر جسراً جوياً ومازال مفتوحاً و ها هي إمارات الخير تتقدم وتتوغل بنفسها و يتقدم الصفوف سعادة سفيرها حمد محمد الجنيبي في قرى السودان المنكوبة و تلك هي السعودية قد شمرت سواعدها لنجدتنا و أنشات صندوقاً خيرياً للتبرعات ساهم ومازال فيه جميع أفراد شعبه لدعمنا من أجل إنجلاء الكارثة و هي ما زالت تقوم بذلك وفق ما يمليه عليها ضميرها
في تلك الأثناء حينما اعلنت دولة قطر عبر تلفزيونها الرسمي عن حملة تبرعات لدعم السودان في تصديه معنا لهذه الكارثة كنت اجلس و اتابع التلفاز على (قناة دولة قطر) و خلال ساعة واحدة بدأ المبلغ يتجاوز حدود ال 60 مليون ريال و حينها هب الشعب القطري هبة حمر مستنفرة فرت من قسورة من أجل إنقاذ أشقائه من الشعب السوداني في مباراة خيرية عملاقة تنافس فيها جميع أفراد الشعب القطري بغرض إرضاء الله و الواجب الذي يمليه عليه ديننا الحنيف وذلك في منافسة حرة وشريفة من أجل البرّ والإحسان يتقاسمون الادوار بينهم من اجل نجدتنا فإذا بدموع الفرح تتقاطر مني و لم أستطع حبسها و الفرحة كانت تغمرني و كل سوداني و ما زالت دموع الفرح تتواصل كلما تهافت الشعب القطري في إحساسه الجميل تجاه ما يحس به شعبنا من كارثة حقيقية .. و في مثل هذه الحالات تختلط الدموع بالسعادة و الضحك بالبكاء ، فيقوم العقل بتحفيز ذلك من أجل إعادة التوازن النفسي ، بتحفيز رد الفعل المضاد للسعادة ، و في مثل هذه الحالات، تذرف الدموع السجية فرحاً وطرباً بالمواقف المشرفة كهذه
في هذه المواقف تظهر معادن الرجال الحقيفة و متانة الروابط الأخوية الراسخة بين الشعوب وإن إختلفت أمزجة الحكام او تنافرت فإن قلوب الشعوب تظل كما هي نقية تجاه بعضها تدعم بعضها وقت الحاجة
ولذلك أجد نفسي متحدثاً نيابة عن الشعب السوداني لأتقدم بأسمى آيات الشكر و العرفان و الإمتنان لدولة قطر حكومةً وشعباً .. واقف لاقول لهم كلمة حبّ وتقدير ، وتحيّة وفاء وإخلاص ، تحيّة ملئوها كلّ معاني الأخوّة … وكلمات الشكر و الامتنان لهؤلاء الكرام ، إلى أصحاب القلوب الطيّبة، وإلى كل من ساهم في هذه الحملة ولكل من نوى نية خير في قلبه ولكن ظروفه اللحظية لم تمكنه من القيام بذلك ونقول لهم حفظكم الله ورعاكم وسدد خطاكم وحفظ الله لكم ما قدمتوه في ميزان اعمالكم