ما من شك أن أسباب كثيرة أدت إلى تراجع شعبية رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك خلال الأشهر الماضية.
تأتي الضائقة المعيشية والمعاناة في الحصول على الخبز والدواء والوقود على رأس هذه الأسباب، والتي جعلت الشارع وهو الحاضنة الحقيقية للحكومة يتململ، ضف إلى ذلك الصراعات لانقسامات داخل مكونات قوى الحرية والتغيير، والانتقادات والرفض لسياسات حمدوك من جهات عديدة لها قوة فاعلة في تحريك الشارع كتجمع المهنيين ولجان المقاومة.
تحريك ملف السلام بهذه القوة سيكون العامل المهم في إعادة الثقة في الحكومة الانتقالية، وتغيير للصورة، إذا استطاعت الحكومة الانتقال من المظاهر الاحتفالية إلى تنفيذ بنود الاتفاقيات .
من يقرأ بنود اتفاقية جوبا لن يشعر باختلاف جوهري مع ما تم سابقاً في عهد النظام البائد في أديس ونيروبي وأبشي وانجمينا وأبوجا والدوحة بكل سنوات أمد التفاوض، الذي يحدث الفرق هو الاختلاف ما بين وضع سياسي مسنود من الشعب والقوى الدولية والإقليمية وهو متوفر الآن وقبل ذلك إرادة التنفيذ من كافة الجهات .
في النظام السابق كانت اتفاقيات السلام تنتهي بانتهاء مراسم التوقيع، بعد حصول الموقعين من حملة السلاح على المال والمناصب، أما أصحاب المصلحة الحقيقيين فهم بعيدون عن تفكير حكومة الخرطوم قبل وبعد المحاصصة.
الفرصة الثانية لحكومة حمدوك تستمد وجودها من إعادة بناء ما دمرته الحرب، وبناء القرى وعودة النازحين وإزالة معسكرات النزوح وتوفير فرص العمل للشباب وتمكين المرأة اقتصادياً وجبر الضرر للأسر التي فقدت أبناءها بالقتل والتشريد وبناء المدارس والمستشفيات وتوفير الخدمات الأساسية.
بناء السلام يحتاج موارد ضخمة لا تستطيع خزينة الدولة (المخرومة) توفيرها، مما يتطلب البحث عن منافذ أخرى بعيدة عن الوعود الكاذبة .
برغم الإحباط الذي حدث للحكومة جراء نتائج التحركات للبحث عن موارد مالية من عُدة جهات خارجية، لكن لا يوجد مخرج آخر غير إعادة المحاولات مع المجتمع الدولي الذي أبدى حرصه على السلام واستقرار ونجاح الحكومة الانتقالية، أيضا بذل المزيد من الجهود والضغوط لإزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.
برغم الأزمات المتلاحقة التي قد تقود البلاد نحو الهاوية فإن فرص الاستقرار لا زالت متوفرة وفرص نجاح الحكومة الانتقالية ليست مستحيلة تماماً، إذا أظهرت القيادة العليا إرادة سياسية قوية .لم تعد القوة العسكرية مهددا للحكومة المدنية وقد ظهر ذلك جلياً من رفض الشارع وعدم قبوله للعسكر بديلاً في الحُكم تبقى أن تصبح الحكومة على قدر المسؤولية في حل المشكلة الاقتصادية، وبناء سلام دائم وعادل.