دعونا ننظر إلى الجانب الملئ من الكوب عند قراءة ما تم من اتفاقات حول السلام في جوبا واديس.
قد تكون اتفاقية السلام الموقعة بين الحكومة الانتقالية وبعض حركات الكفاح المسلح منقوصة في جوانب مهمة، كالترتيبات الأمنية، و قسمة السلطة وغيرها من البنود التي أثارت جدلا كثيفا ،وفي بعض الأحيان رفضا واضحا وصريحا مثلما جاء في بيان الحزب الشيوعي الذي يعتبر جزءا من مكونات الحكومة. لكن اتجاه حكومة حمدوك نحو تحقيق السلام ،وطي الخلاف مع حاملي السلاح يمثل أهم أولوية في تعهدات الحكومة بحسب الوثيقة الدستورية الحاكمة للفترة الانتقالية .وهي خطوة مهمة ومطلوبة وان جاءت متأخرة.
اهم عامل لنجاح عملية التفاوض لتحقيق السلام ،متوفر الان وهو دعم المجتمع الدولي للحكومة الانتقالية بعد زوال النظام السابق وعدم وجود أي مبرر منطقي لاستمرار الحرب.
صحيح أن كثيرا من الموقعين على اتفاقية جوبا ،دخلوا في اتفاقات مماثلة مع النظام البائد ومنهم من دخل القصر ومن تولى مناصب عليا ومن قبض المليارات لتجميل صورة النظام واظهاره بمظهر الساعي إلى تحقيق السلام ..وصحيح أيضا أن مجموعة من الموقعين لا يملكون قوة عسكرية على الأرض ..لا جند ولا بندقية.. غير انهم يملكون السند السياسي في مناطقهم بما يجعل وجودهم في التسوية السياسية مهماً لإنجاح عملية السلام.
من الظلم وصف الموقعين على اتفاقية جوبا مع الحكومة بأنهم تجار حرب وان لهم أجندة شخصية للوصول إلى السلطة في الخرطوم وأنهم لا يملكون التفويض من أصحاب المصلحة للتحدث باسمهم ..ونقول من الظلم لأن كثيرا من هؤلاء تسببوا في خلخلة نظام الإنقاذ وعاشوا خارج وطنهم .وفي اعتقادي انهم أحق بدخول القصر من كثير من ناشطي الفيس بوك الذين تبوأوا مناصب حساسة دون أن يكون لهم سهم واحد في الثورة من من يطلق عليهم الان (ناس زعيط ومعيط).
يستحق رئيس الوزراء عبد الله حمدوك الاشادة فيما قام به من خطوات جادة لطي ملف الحرب ووقف إطلاق النار وإنهاء الصراعات بما تم من اتفاق في جوبا و مواصلة الجهود في أديس أبابا مع الحلو وهي الخطوة الأهم التي يمكن أن تحقق سلاما حقيقيا في منطقة جبال النوبة ،وصولا إلى تكملة الأمر مع عبد الواحد محمد نور.
لا شك أن بعض القضايا المهمة المطروحة في طاولة التفاوض مع عبد العزيز الحلو ،ليست من مهام حكومة الفترة الانتقالية ،لكون انها قضايا خلافية و مصيرية كقضية الدين والدولة فهي مهمة ومسؤولية حكومة منتخبة وبرلمان منتخب..
المهم في عملية التفاوض مع حركات الكفاح المسلح التوصل إلى تفاهمات حول طي ملف الحرب ،وإيجاد حلول سريعة للنازحين واللاجئين والذين فقدوا قراهم ومزارعهم و مصدر رزقهم .
من حق سكان المناطق المتأثرة بالحرب أن يعيشوا التغيير ،بخلق الاستقرار وتوفير خدمات الصحة والتعليم وتوفير مياه الشرب النظيفة. وهو أهم بند يجب أن يهتم به الجميع على طاولة التفاوض حكومة وحاملي السلاح ووساطة حتى لا تكون تلك العملية أشبه بجولات التفاوض في عهد المخلوع ..أفراد يدخلون القصر .. وشعب يأكل من فتات منظمات الاغاثة.