حينما إستمع لحديث عبدالعزيز الحلو عن شاكلة الحكم في السودان و الذي أصبح ليس لديه حديث غيره ينتابني إحساس غريب كأني أعيش في دولة دينية كالفاتيكان وذلك لانه يتحدث بحديث غريب عن طلبه إلى حاكمية الدولة العلمانية وكاننا في السودان كنا نحتكم بنظام (الثيوقراطية) وهذا المصطلح مكون من كلمتين مدمجتين في اللغة اليونانية القديمة و هما ثيو وتعني الدين و قراط وتعني الحكم و يطلق هذا اللفظ على نظام الحكم الذي يستمد حاكميته من الدين في الدول التي تحكم بهذا النظام و يكون جميع طاقمها من الكهنة أو رجال الدين
فهذه هي رؤية الرجل التى تعذر بها ليرفع الحرج عن نفسه أمام الشعب السوداني من عدم إنضمامه لركب سفينة السلام .. فنجد ان كل اهل السودان في حيرة من أمرهم تجاه كل الذين حملوا السلاح ضد الدولة و وضعوا المتاريس والمستحيلات امام لجان التفاوض حتى لا يكون هنالك سلام .. فبعض الحركات ترفض كل المقاربات والشعب ينتظر السلام بفارق الصبر ولكن هيهات ان ينال الشعب مراده لأن ليس هنالك إرادة و جدية في حسم هذا الامر من قبل بعض الحركات المسلحة.. ونرى ذلك جيداَ في قراءتنا لمطالب عبد العزيز الحلو التي يريد بها ان يغير هوية الدولة الدينية .. و التي هي في الأصل كانت هويتها عبارة عن حبر على ورق أذ ان السودان كان ينادي بالشريعة الإسلامية و لم يُحكم بها أبداً طيلة الحقب السابقة بل كانت فقط تستخدم للضرورة من أجل دقدقة عواطف المسلمين عند الطلب .. ولهذا نجد ان الرجل قد قام بربط طلبه هذا (حسم قضية علاقة الدين بالدولة) مقابل إستقرار كامل السودان و وحدة اراضيه
ولم يكتفي بهذا فقط بل زاد وقال إن العقبة الرئيسية التي تواجه عملية تحقيق السلام في التفاوض مع الحكومة السودانية هي غياب الإرادة السياسية لدى الجانب الحكومي و كأنه يريد ان يُحمل الحكومة المسؤولية عن تنصله من توقيع إتفاق السلام معها . فتخيلوا هذا الرجل الذي يكذب الكذبة ويكون هو أول من يصدقها .. فكيف لا توجد إرادة سياسية من الجانب الحكومي و هو يعلم تمام العلم أن الحكومة قد فشلت في إداراة أغلب ملفاتها وتريد ان تقدم هذا الملف هدية للشعب حال نجاحه و لهذا تريد الحكومة قتل نفسها مقابل نجاح هذا الملف الذي يؤرق جميع افراد الشعب الذي عانى من ويلات الحروب .. و لهذا نجد ان الحلو قام بالسعي في بعثرة وتشتيت افكار الوفد الحكومي بولوجه فيما لا يملكه وفد التفاوض او الحكومة الإنتقالية من قرار كرجاء من لا يستحق من من لا يملك .. و هو يريد ان تقر له الحكومة بعلمانية الدولة وهي غير مفوضة في أمور مثل هذه ولهذا نقول له إذهب فإن أعذارك غير مقبولة للشعب و تكون إليه كعذر المتوضى بقليل الماء الذي ولغ فيه الكلب و الذي يجب ان يرمى و لا يصح به وضوء و لا تكون به طهارة
الحلو يقول لا توجد قضية تسمى قضية دارفور أو قضية جبال النوبة أو قضية الفونج أو غيرها. لأن المٌشكلة في الأساس هي مشكلة السودان كاملاً .. فإذا كانت هذه هي رؤية الرجل فكيف له ان يتحدث عن عموم السودان و هو يحمل رأي جزئية صغيرة منه يريد بها ان يفرض رأيه على كامل القطر .. ونحن نعلم تمام العلم ان معظم قادة الحركات المسلحة سوف يصعب عليهم الجلوس بيننا على الارض لانهم تعودوا على حياة العواصم الأوروبية وفنادقها و الاموال الطائلة التي تصب عليهم كصبيب المطر ويتصرفون فيها كما يشاؤون دون حسيب أو رقيب و هم يشاهدون الآن عبر اجهزة الإعلام ما يعانيه نخب النظام السابق من مذلة السؤال والمحاسبة و محاككات المراجع العام التى قادت الكثيرين منهم إلى محاكم الفساد ولهذا سوف يصعب عليهم الأمر لانهم تعودوا على غير هذه الحياة*
و كما يجب ان يعلم الحلو بأن معظم أهل السودان مع علمانية الدولة وليس لهم رأي سالب ضدها إذا كان من الممكن ان تكون هنالك عدالة نسبية سوف تتحقق مع سيادة حكم القانون .. و هل إذا وافق جميع أفراد الشعب السوداني بعلمانية الدولة سوف يكون هنالك ضمان بموافقة الحلو و عبد الواحد علي رمي سلاحهم و ترك ما لا يستطيعوا ان يتركوه ليكونوا موظفين عموميين في حكومة السودان و ينتظرون رواتبهم في نهاية كل شهر ؟