همس الحروف _ ليت القيامة تقوم غداً _ الباقر عبد القيوم علي
إتصل بي صديق و كان منزعجاً أثناء مهاتفته لي واحسست ان ثمة مشكلة قد حدثت له فحاولت ان أهديء من روعه و وعدته بمجيئ إليه بعد فراغي من بعض الضروريات و اغلقت الهاتف وإنصرفت في عملي وبعد ان أنهيت ضرورياتي قررت الذهاب إليه وكانت البناية التي يسكن فيها تتوسط أرقى أحياء الخرطوم وخلال دقائق معدودات كنت أقف امام باب شقته التي تحتل طابقاً كاملاً و كان بابها موارباً وليس مغلقاً إغلاقاً تاماً.. فهممت بدق الجرس ولكنه بادرني بكلمة مرحب تفصل فدلفت إلى الداخل وفوجئت بأن بيته كان خالياً تماماً من الأثاثات فإنزعجت أيما إنزعاج و ظننت ان الشقة قد تعرضت إلي عملية سطوٍ لأن كل مغتنيات هذا البيت كانت في السابق عبارة عن لوحات فنية رائعة و كل قطعة فيه تعد ثروة و تشكل تحفة أثرية قائمة بذاتها وتشكل قيمة مالية عالية
وجدته يفترش الأرض ويتوسد علي يده فحاول الإعتدال من أجل أن يسلم علىّ و لكني طلبت منه ان يظل على وضعه لأنه كانت تبدو عليه علامات التعب إلى درجة الأعياء فكان يحدثني و دموعه تقاطع كلماته حينما يتحدث معي و بصوت متحشرج قال لي :
(اليوم لقد أنهيت أكبر رحلة عذاب كنت اعيشها مع زوجتي النكدية التي كانت تريني بشكل يومي نجوم الليل في عز الظهر ) وكما لم يرزق منها بذرية ، ولكنه كان يعشقها ولكنها كانت متسلطة عليه و مغرورة ،، فعلمت انه قد طلقها و لقد كان رجلاً نبيلاً ، حسن الخلق و يمتلك سماحة النفس فعرفت منه أنها قد طلبت أن تأخذ عفش بيته فسمح لها بذلك و لكنها كانت تكسوها مسحةً من اللؤم على عكسه تماماً ففي غيابه بعد أن إنفصلا قامت بأخذ كل شيئ في البيت و حتى لم تترك له سرير واحد أو وسادة يتكيء عليها … فذهبت إلى بيتي و جئت إليه بسريرين و كرسيين وحافظة ماء وطاولتين صغيرتين وفرشنا بها أحدى غرف بيته وجلست معه إلى بعد منتصف الليل لأخفف عليه جزء من وحشته .. و حينما كانت عقارب الساعة تشير إلى الواحدة وخمس دقائق بعد منتصف الليل رن جرس الباب فذهبت لفتح الباب وكم كانت المفاجأة السعيدة حينما وجدت ان زوجته بشحمها ولحمها تقف امامي ، يا لها من فرحة فأسرعت إليه لأبشره بان ملكة بيته قد حضرت إليه بنفسها وهذا يعتبر أعلى مراتب الإعتذار عند النساء و ذلك لا يحدث إلا حينما تأتي إليها صحوة الضمير في وقت حساب مع الذات و خصوصاً إذا إنتصف الليل ونام الناس .. و طلبت منه أن يقوم و يعتذر لها إعتذاراً يليق وحجم مجيئها ، و إن لم يكن مخطئاً في حقها في السابق .. و لكن قبل أن أسرح بأحلامي مع هذه القصة التي تدمي القلوب فآجأتنا بصوتها الأحرش الأجش بأنها لم تحصر من أجل ذلك وأنما من أجل انها قد نسيت (حجر الكراش) .. (و يعني حجر خشن تنظف به بواطن الأقدام) بحمام غرفتها و أنها أتت من أجل أخذه وكان حديثها معنا ببياض عين وعدم تهذيب واضح ودرجة عالية من الوقاحة و عدم إحترام .. وبذلك تكون قد قتلت في نفسي أية ذرة أمل كنت أخطط لها من أجل رأب صدع هذه الأسرة
فهكذا دائماً تكون نهايات العلاقات الهشة التي تتم على ارضية غير ثابته وبمعطيات غير متكافئة … و دائما تكون آيلة للسقوط ومخلفة خلفها آثار سالبة و قصص حزينة يصعب تجاوز اثرها على للقلوب
لقد كتبت عدة مقالات سابقة منذ بداية محادثات السلام بجوبا وكنت أطالب فيها بضرورة بث ونقل كل تفاصيل هذه المحادثات والحوارات التي تتم بين الحركات المسلحة و وفد الحكومة على الهواء مباشرة في الأجهزة المرئية و المسموعة حتى يكون كل الشعب شاهداً علي تفاصيل ما يقال و أن يكون علي دراية تامة بما يحدث فيها بكل شفافية مطلقة … و لو فعلوا ذلك لرأيتم بأم أعينكم و سمعتم بآذانكم العجب العجاب من ضًعف الطالب و فظاعة المطلوب … وعموما إذا تجاوزنا الكيفية التي تم بها إختيار التيم الحكومي الذي لا يتناسب وحجم القضية و كان يفاوض بإسم الشعب و الشعب عنه براءة لانه لم يفوض منهم أحداً .. و كان يجب ان يكون الشعب هو من يحدد الكيفية التي يتم بها التفاوض واعضاء الوفد المفاوض مع هذه الحركات التي كان يتحتم عليها وضع سلاحها بعد نجاح الثورة و مشاركتها في بناء مؤسسات الدولة دون قيود أو شروط .. و ما يؤسفنا هو أن أعضاء هذه الجنة ما زالوا يريدون ان يبنوا لأنفسهم مجداً من كرتون (عبارة عن وهم) لتظليل الرأي العام بإتفاق فطير مع قوى لا تشكل أية ثقلاً عسكرياً أو سياسياً بإستثناء حركة العدل و المساواة وكل هذه الحركات هي في الأصل عبارة عن حركتين فقط و كذلك فقد خلفت خلفها براعم صغيرة ما زالت تحمل السلاح ، و كل ذلك فقط من أجل أن يقال ان الوفد وحكومته وحاضنته السياسية قد أتوا بالسلام ، الذي لن يأتي (بثلاث جرام) سلام و إذا حدث بهذه الصورة المهزوزة فلن يصمد إكثر من أسابيع معدودة و ما حققته الحكومة السابقة من تقارب كان في حالة أفضل مما عليه الآن من هشاشة سوف تقود في القريب العاجل إلي ما لا يحمد عقباه
تخيلوا معي هذا الهراء الذي حدث الذي حدث و قد تناقلته منصات التواصل الاجتماعي و الأسافير و كاد أن ينفض به كل هذا التوافق و المقاربات التي حدث خلال عام كامل من الحورات قبل توقيع (السلام) و قبل أن يحتفى به في عقر داره بجوبا بسبب الفنانة ندى القلعة التي كادت أن تنسف اتفاق سلام جوبا بسبب ان مزاج سيادة العقيد نمر عبد الرحمن كان لا يتوافق معها في تلك اللحظة لتغنى في هذا الحفل الضخم و برر ذلك بأنها لا تتناسب و حجم الحدث و لأنها كانت محسوبة على نظام الرئيس السابق (البشير) ، و أظنه قد نسى أو تناسى أن شريكه الميداني السيد منى أركو مناوي قد شغل أيضاً وظيفة كبير مستشاري رئيس الجمهورية بالقصر وهذا لم ينتقص من قدر الرجل شيئاً
فهذا المشروع الذي يعتبر حلم لكل سوداني ينومون عليه ويصحون من أجله وهو السلام .. ولكن هذه هي هشاشة ما توصلوا إليه .. ولا اريد أن أحبط جموع هذا الشعب العظيم وأقطع عليهم حلمهم في هذا السلام الذي لا و لن يخرس أفواه البنادق و البيان بالعمل والماء تكذب الغطاس .. و يعتبر هذا المشروع قد ولد ميتاً و هو قائم على بيع الوهم للشعب من أجل أن يقال أن وفد الحكومة قد أتى بالسلام وهم يعلمون تمام العلم بأنه ليس هنالك سلام و سوف تكون كل هذه الضجة فقط (كقصة حجر الكراش) التى ملأتنا إحباطاً فوق إحباطنا وليت القيامة تقوم غداً حتى يرتاح الشعب من مثل هذه القصص التي دائماً تكون خلفيتها عبارة عن خدع نعيش عليها منذ الإستقلال وما زلنا ، و نسال الله أن يلطف بنا إن كتب لنا الحياة