ليس العاقل فقط بل حتى المجنون بمقدوره أن يضع قائمة مقنعة للولاة ترضي المناطقيات والاثنيات واقليات قحط السياسية والفكرية من محظوظي المرحلة أمام رئيس الوزراء والمزرعة السعيدة وهو مطمئن البال.
حيث يجعل عليوه واليا للخرطوم (حتى وإن جعل عاليها سافلها) وصالح عمار (القندول الشنقل الريكة) واليا لجنوب كردفان وامنة مكي للجزيرة وعبدالله ادريس لشرق دارفور وهلم جرا.. دون الحاجة لوضع إبن المنطقة في ولايته.
السودانيون كعادتهم يحترمون الغرباء، فالغريب في غير أهله يكون محايداً وغير متهم وغير هياب وعلى مسافة واحدة من جميع المكونات في ولايته الجديدة.
ُوهذه سنة بدهية وحميدة في الاختيار طبقتها الانقاذ بنجاح مشهود حفظت للناس دماءهم وابناءهم وثمارهم، وأي تجاوز في هذه البدهية الادارية دائما ما تثير خلافا داميا وخرقا في النسيج الاجتماعي لا يُرتق، مثل الذي يجري للأسف الآن أمام أعين العالم في كسلا. هذه المدينة الوادعة التي عُرفت بالاعتدال والسلمية واحترام الآخر.
وما دامت السياسة السودانية ما بين مطرقة الأغبياء وسندان المجانين فإن هذا مقام حكاية شهيرة ومتداولة. قال الراوي:
(إن هنالك سيارة مارسيدس جديدة (لنج) كانت تمر أمام مستشفى التيجاني الماحي للأمراض النفسية. وفجأة تمزق الاطار الأمامي وانخلع بعيداً، وكادت السيارة المسرعة أن تدهس المارة لولا اللطف الالهي.
ترجل صاحبها الأنيق في قلق وهو زائغ النظرات محتارا وسيارته تمنع المارة والسيارات من الحركة والعبور، وتعالت اصوات المحتجين.
بحث في كل مكان فلم يجد (صواميل) الاطار (الفقيد)، وفي خضم حيرته صاح أحدهم من خلف سور التيجاني الماحي ناصحاً: ثبت (الاسبير) وخذ من كل اطار (صامولة) واحكمه بها حتى تصل لأقرب (بنشر)
وفعلا قام الرجل بتطبيق النصيحة كاملة غير منقوصة، وقبل أن يدير مقود السيارة مد يده محييا: شكرا يا شاب إنت منو؟
فرد عليه الشاب ساخراً : أنا مجنون، لكن إنت مغفل)
(والمعنى واضح)