همس الحروف _ (التعليم الخاص .. نور ، و نار تحت رماد) _ الباقر عبد القيوم علي
السودان دولة نامية تعاني كثيراً من المشاكل السياسية و الإقتصادية الحادة التي رمت بظلالها السالبة علي كل القطاع الخدمي الذي كان تأثير ذلك عليه مباشراً و إنعكس على حياة وإستقرار كل الشعب .. إذ نجد أن الدولة تقف عاجزة ومكتوفة اليدين عن تلبية حاجة الشعب المادية والإقتصادية و التي ثأثر من جراء ذلك كامل القطاع الخدمي وعلى رأسها الصحة والتعليم التي رفعت الدولة عنهما يدها تماماً .. و لهذا نجد أن معظم أفراد هذا الشعب يطرقون أبواب العلاج و التعليم الخاص الذي أصبح من الإستثمارات الرائجة و التي إنتشرت بكثرة مستغلة حاجة الشعب لها لعجز الحكومة في توفير هذه الخدمات عبر مؤسسات الدولة و كما نجدها لم تواكب التطور في سن التشريعات التي تنظم مثل هذه الإستثمارات و لذلك اصبح من الصعب تحديد الحقوق و الواجبات ما بين مقدم الخدمة من المستثمرين و مستفيدى هذه الخدمات من الشعب .. ولهذا نجد في أكثر الاحيان أن المواطن يقع ضحية هذا التفريط امام مستثمري هذه المؤسسات و ذلك لغياب المنهجية و السياسات الواضحة التي كان من المفترص ان تضع حدود لكل من طرفي الخدمة في قالبهما الصحيح .. و كما نجد أيصاً أن إنعدام الخطط التي تسهل مهمة المستثمرين في هذا المجال قد جعلتهم يجهلون متطلبات المجال و ذلك بسبب غياب التشريعات التي تقنن هذه العلاقات بين مقدمي هذه الخدمات والمستفيدين منها
وأريد ان افرد عبر عمودكم (همس الحروف) احد وأهم مشاكل هذا القطاع الخدمي وهو التعليم الخاص الذي فرضته ظروف الدولة كنتيجة طبيعية لضيق وضعف ماعون التعليم الحكومي مما شجع كثير من المستثمرين للإتجاه في هذا المجال لسد العجز ولكن لم يكن ذلك وفق دراسات تعالج بعض اوجه القصور تجاه الحقوق الإجتماعية لكامل شرائح المجتمع ولهذا نجدهم قد إستهدافوا شريحة بعينها و هي الطبقة القادرة علي تحمل مصاريف الدراسة الخاصة فقط و التي يقابلها جودة أكثر من التعليم الحكومي الذي بدأ ينهار تدريجياً مع التوسع في التعليم الخاص الذي إعتمد علي الخصم السلبي من رصيد التعليم الحكومي من المعلمين .. ولهذا نجد ان القطاع الخاص قد قام بجذب الكفاءات العالية من المعلمين وذلك بإغرائهم بالمال و السكن و الترحيل و التأمين الصحي مما خلق فراغا و ضعفاً واضحاً في إنهيار جودة التعليم الحكومي
خلال هذا العقد الأخير حدثت طفرة نوعية في الإستثمار في مجال التعليم إذ يعتبر من الإستثمارات الرائدة و التي نجحت في تحقيق عوائد مالية ضخمة في فترات وجيزة لملاك المدارس الخاصة وفي نفس الوقت فقد ألقت بظلال سالبةو خالقة خللاً علي الحياة الاجتماعية إذ نجدها قد قامت بفصل المجتمع حسب قسمة الارزاق ما بين غني و فقير و خصوصاً بعد دخول الجشعين في هذا المجال الخدمي الذي كان يستوجب علي والجيه توفر الرحمة في قلوبهم وهم يقدمون هذه الخدمة
ولقد بدات تظهر مشاكل هذا القطاع بصورة ملفتة للنظر وخصوصاً بعد إنهيار المدارس الحكومية أمام الخاصة التي إرتبط النجاح و التفوق بها و ذلك كان نتيجة أنها إستطاعت أن تسحب كل المعلمين المشهود لهم بالكفاءة من المدارس الحكومية التي اصبح معظم معلميها كما هو معلوم بالضرورة (طلاب الخدمة الإلزامية) و لهذا نجد ان هنالك زيادة في نسب الذين خسروا فرص التعليم و كان معظمهم من ابناء الفقراء و الطبقة الوسطى
كلنا نعلم إرتفاع تكاليف التعليم عموماً و الخاص على وجه الخصوص .. و كذلك التحديات التي تواجه التعليم الخاص في ظل إنحدار سعر الجنيه امام الدولار مما ضاعف كثير من المشاكل والإلتزامات التي يواجهها المستثمرين في هذا المجال .. و لكن بالمقابل كذلك نعلم تمام العلم عن حالة معظم افراد هذا الشعب و الذين يعجزون تمام العجز عن مجاراة طلب اصحاب المدارس وخصوصاَ المتجشعين منهم الذين ينظرون للمصلحة من جانبهم فقط و لهذا نجدهم يلحون على اولياء الامور بصور متكررة لفرض زيادات مستفزة وتعجيزية و خصوصاً التي تصدر من بعض ضعفاء النفوس و اصحاب الشهية المفتوحة الذين تدثروا بالوجاهة الزائفة و َمحاولة إستخدام النفخة الكاذبة و اللغة المحبوكة التي تصف ضعف نفوسهم وإرتفاع اطماعهم امام المال لتمرير ما يريدون .. ولكن سوف أطرح هذا الأمر كقضية رأي عام ليدلوا الجميع بدلوهم في معالجتها وإيجاد حلول وسطية تحفظ الحق لجميع الاطراف بدون ان نعرض احد الأطراف للظلم .. وكما لن نتنازل عن حقوق أبناء هذا الشعب في كامل القطر و سوف نستخدم كل ما يسمح به القانون لحفظ حقوق المواطنين التي دائما تسلب منهم تحت غطاء الحجج الواهية ودعم كبار رجال الدولة لملاك المدارس .. ولهذا هرعت إلى وزارة التربية والتعليم بولاية الخرطوم لأقف علي الحقيقة من أهل الأمر الذين يقومون بتنظيم العلاقات ما بين ملاك المدارس و المستفيدين من خدمة التعليم الخاص ، فدلفنا إلى مكتب سعادة السيد عبد الكريم حسن محمد علي مدير إدارة التعليم الخاص والذي وجدناه قد شمر سواعده ليخوض معنا هذه الحرب ليس ضد الملاك وأنما مع الحق الذي يحفظ الحقوق و الواجبات بين الطرفين وفي نفس الوقت ينظر إلي حقوق المواطنين من خلال الظرف العام لحالة الدولة .. فنجده قد قام بتحديد معالم حدود إدارته التي تسعى جاهده لتضع حلول توافقية بإلزام ملاك المدارس بإشراك اولياء الامور عندما تقوم المدارس بتحديد الرسوم الدراسية وفق القاعدة التي تقول (لا ضرر ولا ضرار) .. ولكن برغم من ذلك ذهبت كثير من المدارس بركوب رأسها وخصوصاً ذات المناهج الأجنبية لتفرض رسوماَ خرافية و تعجيزية و متحدية بذلك كل توجيهات الوزارة وكما ان تلك المدارس تواصلت مع اولياء الامور و نفت إليهم حق الوزارة فى تحديد اى رسوم دراسية لان ذلك يعتبر امراً تعاقدياً بينها وبين أولياء الامور و ليس من حق الوزارة التدخل وعليه قاموا بمخالفة الأوامر التي تتعلق بهذه النقاط.. وهذا ما قد يتسبب في تشريد أكثر من 40 ٪ من أطفال هذا الشعب عن الدراسة
وعليه فقد أوضح السيد عبد الكريم مدير إدارة التعليم الخاص ان العلاقة بين المدارس و اولياء الأمور صحيح انها علاقة تعاقدية تقوم على الرضا وقد نصت المادة 21 من قانون التعليم الخاص لولاية الخرطوم 2015 م علي ان يجوز قبول التلاميذ فى المدارس بالاتفاق والتراضى بين المدارس و أولياء الأمور ولكن بشرط عدم زيادة الرسوم الدراسية للتلاميذ و الطلبة المقبولين سلفاً بالمدارس قبل مرور ثلاث سنوات و اى زيادة فى الرسوم قبل هذه الفترة المحددة تعتبر نقضاً للاتفاق، وذلك يوضح الا تتم الزيادة إلا بالتراضي بين الطرفين، وكما نص قانون المعاملات المدنية ان العقد شريعة المتعاقدين فلا يجوز نقصه ولاتعديله الا بالإتفاق بين الطرفين
فمن صميم إختصاص الإدارة العامة للتعليم الخاص الإشراف التام على المدارس فنياً وإدارياً وحل نزاعاتها و ذلك باعتماد الرسوم الدراسية ، ولها فى سبيل ذلك اتخاذ جميع الإجراءات، وإصدار اى قرارات ادارية أو ضوابط من شأنها بلوغ الهدف الذى من أجله تم سن هذا القانون وليس من حق اى جهة الاعتراض على اى قرار صادر من الإدارة العامة الا باتباع الطرق الرسمية التى حددها القانون.
وعلية أرجو من جميع اولياء الامور ان يقفوا موقفاَ موحداً ضد هذا الزلزال التي سوف يخرج الكثيرين من طلاب قطاع التعليم الخاص من الإستمرار في دراستهم .. وكما يجب عليهم ألا ينصاعوا لتلك المدارس التي رفعت رسومها وخصوصاَ إن الإدارة تتعهد لكافة الشعب السوداني باتخاذ كافة الإجراءات الإدارية الكفيلة بوضع الامور في نصابها الصحيح وليكن شعارنا (لا لزيادة الرسوم الدراسية)
و سنتابع الملف حتى نهايته إن شاء الله