يهبط وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو الخرطوم اليوم بعد انقطاع دام خمسة عشر عاماً لمسؤولين أمريكيين رفيعي المستوى عن مقرن النيلين .. منذ زيارة وزيرة الخارجية الأسبق كوندوليزا رايس .. ولكن قبل أن يلتقي رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك الضيف المهم، عليه أن يتذكر أنه لم يوفق لثلاث مرات في الاجتماع به في بلاده وميونخ الألمانية.
شارك حمدوك في الجمعية العامة الأخيرة للأمم المتحدة بنيويورك في أواخر سبتمبر الماضي.. وبعد نحو شهرين زار واشنطن، وفي الزيارتين لم يوفق في لقاء بومبيو .. رغم أن الأخير تواجد بنيويورك حينها لنحو خمسة أيام.
ثم شارك حمدوك في مؤتمر ميونخ في فبراير الماضي، وحظى بمصافحة بومبيو والتقاط صورة معه ، (على الماشي).. لأن السودان لم يكن ضمن جدول أعمال بومبيو على هامش القمة.. فشل حمدوك في لقاء مايك رغم أنه كان حينها في أمس الحاجة للدعم السياسي والمعنوي.
فما الذي استجد وجعل بومبيو يبحث هذه المرة عن البرهان وحمدوك .. في وقت تصنف واشنطن الخرطوم بأنها عالية الخطورة وتفتقر للأمن والطمأنينة ؟؟.. الشاهد من هذه المقدمة الطويلة أن الولايات المتحدة لا تركز كثيراً في مسألة مدنيين او عسكر، لأن همها مصالحها في المقام الأول.
وإقراراً بشعار (أمريكا أولاً)، خاصة وأن واشنطن لم تأبه كثيراً بالسودان في حقبة ترمب بل بأفريقيا كلها .. وربما يعتبر ترمب الرئيس الأمريكي الأوحد الذي لم يزر القارة (السمراء) خلال ولايته.
المؤكد أن الزيارة القصيرة جداً، ذات صلة وثيقة بمساع ترمب لكسب اللوبي الصهيوني المؤثر قبل شهرين فقط من منازلة خصمه الديمقراطي جو بايدن في السباق الرئاسي .. حيث يسعى ترمب إلى توسيع رقعة التطبيع الإسرائيلي في المحيط العربي .. خاصة وأن ترمب رمى بثقله في هذا الملف .. بعد تأثر شعبيته داخل بلاده لاستسهاله جائحة كورونا.
ومعلوم أن مبادرة العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله في 2002 اشترطت قبل التطبيع عودة الأراضي الفلسطينية لحدود 1967 والقدس الشرقية عاصمة لها .. وأن السودان مهم جداً في الذاكرة الاسرائيلية .. إذ احتضنت الخرطوم مؤتمر اللاءات الثلاث ذائع الصيت في 1967 (لا صلح ولا اعتراف ولا تفاوض) مع اسرائيل.
ونضجت حماس سياسياً وفكرياً على أيدى الشيخ د. حسن الترابي (عليه الرحمة) .. وظل السودان متبنياً لقضية فلسطين أكثر من أبنائها .. الذين يتحدثون عن حدود 1967م، بينما بلادنا تطالب لفلسطين بحدود 1948م.
ثم ظلت إسرائيل مهمومة بالسودان .. قصفت مناطق في بورتسودان .. وقصفت كذلك مصنع اليرموك .. على كل لم يعد للسودان مشكل مع إسرائيل .. وتبدل الحال والتقى البرهان نتنياهو .. وتم تطبيع اقتصادي، بعبور (العال) الأجواء السودانية إلى أقاصي أمريكا الجنوبية.
لكن يبقى السؤال المهم الذي يتحرج منه السودانيون .. ماذا تستفيد الخرطوم من مرور تل أبيب إليها عبر بوابة واشنطن ؟؟ .. لا أتوقع أن تجرؤ القيادة السودانية في السيادي والحكومة لطرح هكذا سؤال !! .. قد يقول قائل إن الولايات المتحدة سترفع اسم السودان من لائحة الإرهاب .. لكن طالما لم تتمكن روح التعامل بقوة لدى السودانيين .. سنظل نسمع (كلام الخير والإيمان) لا أكثر.
ومهما يكن من أمر فمرحبا بالضيف الزائر الذي تجيد بلاده وببراعة لعبة (المصالح).. وصحيح الكبير كبير.
أخر لحظة الصادرة اليوم الثلاثاء 25 اغسطس 2020