قَبل التطبيع..!!- الطاهر ساتي
بعد (72 ساعة)، فقط لا غير، من إعلان اتفاق سلام بين الإمارات وإسرائيل، أعلن المُتحدِّث باسم الخارجية السودانية، حيدر بدوي صادق، يوم أمس – لقناة سكاي نيوز عربية – بأنّ بلادنا لا تنفي وجود اتصالات بين الخرطوم وإسرائيل، مُوضِّحاً: (مَا مِن سببٍ لاستمرار العداء بين السودان وإسرائيل)، ثم قالها بوضوح: (نتطلّع لاتّفاق سلام مع إسرائيل، قائم على الندية ومصلحة السودان دون التضحية بالقيم والثوابت)..!!
:: وكما قال المُتحدِّث باسم الخارجية، فإن السودان وإسرائيل سيجنيان ثماراً من التطبيع.. وما لم يقله هو أنّ السودان وإسرائيل سيجنيان ثمار التطبيع ما لم يكن السودان (إمعة) في هذا القرار.. نعم، فالتطبيع مع دول العالم، بما فيها إسرائيل، يجب أن يكون قراراً سودانياً، وليس خليجياً، حتى نجني ثماره.. وقلتها ذات عامٍ، وكانت إسرائيل قصفت مصنع اليرموك، كَثيرةٌ هي اللُّغات في عالمنا هذا؟، ولكن لُغة المَصَالِح هي الأقوى تأثيراً والأوسَع انتشاراً..!!
ولُغة المصالح هي التي يجب أن ترسم خارطة الطريق لعلاقات السودان الخارجية، وهي لُغة بلا حُروفٍ أو تشكيلٍ، ولا تُنطق، بل تُمارس كأيِّ مهنةٍ، ويفهمها الجميع.. والحمد لله، لقد فهمها السودان أخيراً.. أخيراً، أي بعد الثورة.. فالسواد الأعظم من الشعب، وكذلك الصَّحافة، كان يُطالب النظام المخلوع بتعلُّم لُغة المَصالح لا العَواطف والحماقة.. والأدهَى والأَمر، رغم أنّها كانت تدّعي العروبة كان يتم تجاوُزها عند أيِّ لقاءٍ يُناقش إحدى قضايا فلسطين..!!
ورغم عُلو صوته وصخبه بشعارات القضية الفلسطينية، ورغم الصواريخ الإسرائيلية، فالمُدهش أنّ النظام المخلوع كان راضياً بأن يكون دوره في مُنافسات القضية الفلسطينية مُجَرّد (مُتفرِّج ومُهرِّج)، وغير فاعلٍ.. ولكن، الحمد لله، لقد علّمت ثورة الوعي شعبنا بأنّ عالم اليوم خالٍ من المثالية والإنسانيّة، خَاصّةً عندما يكون الحديث عن العلاقات الدولية، بل لُغة المصالح فقط لا غير هي التي تتحدّث بلسانٍ فصيحٍ..!!
:: مصالح السودان أولاً.. أو هكذا لُغة العصر التي يجب أن تُخاطب بها الحكومة السودانية كل دول العالم.. وما لم تتعلّم أيّة دولة هذه اللُّغة المُعاصرة، فعلى شعبها القُبُول بالعيش تحت خط الفقر والحرب.. وقبل المُتحدِّث باسم الخارجية، فإن رئيس المجلس السيادي عبد الفتاح البرهان كان قد قالها بِوُضُوحٍ: (قرار لقاء نتنياهو نَابِعٌ من مسؤوليتي لمُراعاة المصلحة العُليا للسودان)..!!
هكذا فَكّرَ البرهان ثُمّ قرّر رَسَمَ خارطة سياسية جديدة لعلاقات بلادنا، وعلى الخارجية إكمال المشوار، حتى نصل بالبلاد مرحلة التطبيع الكامل، ليس مع إسرائيل وحدها، بل مع كل دول العالم، بحيث تقف بلادنا – بمُنتهى الاستقلالية – على مسافة واحدة من كل الدول.. لم يقف معنا أحدٌ في مصائبنا حين ضَرَبت إسرائيل مصانعنا وقتلت بعض أبناء بلادنا.. وعندما كانت تنعم شعوب دول التطبيع بالأمن والسلام، ظل شعبنا وحده يدفع ثمن حماقات النظام المخلوع..!!
ولكن هناك عوامل قوة هي التي تمكن الحكومات من استغلال العلاقات الخارجية لصالح الشعوب.. والأفضل لحكومة الثورة أن يدفع عن سياساتها الخارجية، والتطبيع المُرتقب، الشعب السوداني حُراً ومُستقلاً في قراره، وليس حبيساً في جدران اقتصاد مأزوم وسياسة داخلية (مأزومة) وخارجية (إمعة).. وقبل التطبيع مع إسرئيل، على حكومة الثورة، التطبيع مع ذاتها، وذلك بتحقيق السلام الشامل وانتشال الاقتصاد الوطني من (قَاعَ المِنَح)..!!
tahersati@hotmil.com