همس الحروف _ الإنذار الأخير للشرطة .. فهل من متعظ _ الباقر عبد القيوم علي
الحكمة هي ذروة سنام العقل و دائما تكون هي الصفة التي تلازم العقلاء الذين يتعظون بكل الأحداث التي إتخذت من هذا الزمان مسرحاً لها ، ويعتبِرون بكل الوقائع التي كان التاريخ حاوياً لأحداثها فينتفعون من سلبيات ما حدث لتجنب الوقوع في الخطأ ويتتبعون الإيجابيات التي تقدم لهم المواعظ مباشرة فيمكن لهم ان يتخذوها نجدة من سقطات الزمان التي تأتي بالغفلات ، و قد قيل عند العرب :(مَن كثر قراءته لعثراته قلَت سقطاته) ، فالعاقل هو من اتعظ بغيره واعتبر ، و الاحمق هو من إتعظ بنفسه و إنكسر
الشرطة بالرغم من سعة إدراك إدارتها العليا بما يحاك ضدها في الخفاء والعلن لوضعها في كماشة يصعب الفكاك منها إلا أنها لم تتعظ لا بغيرها ولا بنفسها ، فكلما حاولت الخلاص نجد أنها قامت بربط زارع القوة العكسية حول عنقها و كان من الأجدر بها ان تكون في مكان من يتعظ بنفسه ولكن هيهات .. فلم و لن تعي الدرس أبداً ولهذا نجدها دائماً تحفر قبرها بيدها .. سيما و انها لم تستفيد من كل التجارب والعبر المجانية التي خاضتها بنفسها منذ بداية هذه الثورة وحتي الآن و التي ضاقت بأحداثها ذاكرة التاريخ المعاصر و هي تئن من حملها و كان من الممكن الإستفادة و لو بجزء يسير من مخزون التجارب التي خاضتها
لقد مرت عليها تجارب كثيرة وعميقة ومفيدة ، و بغض النظر عن مقدار الرضى عنها أو عدمه و كذلك بغض النظر عن مقدار الاختلاف في وجهات النظر حولها كمؤسسة قومية مستقلة مهمتها حماية هذا الشعب كان من الواجب عليها رعاية مصالحها قبل مصالح الآخرين الذين فيما بعد سوف يسعون لمحاولة شيطنتها ليسهل عليهم بعد ذلك التدخل في منهجية تقويمها و إعادة هيكلتها كما ينادي بذلك الكثيرين من الذين تحميهم الشرطة و هم يجلسون في كراسيهم الوثيرة في وزاراتهم .. و لهذا اصبح مغضوب عليها ويتضح ذلك جلياً من مواقف الجميع الذين تقف معهم في مثل هذه المواقف العصيبة والعصية ويتنكرون لها بعد ذلك .. وكما ان الشعب يفسر ذلك بالخزلان ويعتبرها ضده ويتصح ذلك في طريقة السجال الذي يدور بين الكتاب و النشطاء على صفحات الأسافير
فمن حق الشعب أن يثور ضد اي مظهر من مظاهر الظلم و الفساد والتهميش و ينتفض ضد ذلك و يتظاهر بتسيير المسيرات السلمية التي يكفلها له الدستور و يحميها القانون الذي يسمح له بذلك من أجل الحفاظ على مكاسب الثورة (الحرية و الديمقراطية) والسعي لترسيخ مفهوم ذلك باستعادة سيادتها التي سلبت منها عنوة وتصحيح مسارها
ما قام به والي ولاية الخرطوم من زيارة للقسم الشمالي من اجل تحرير الثوار الذين تم حبسهم علي خلفية مليونية جرد الحساب تحسب له في سجله السياسي و الادبي وذلك لوقوفه على إطلاق سراح الذين تم إعتقالهم أمام مباني مجلس الورزاء وبواسطة الشرطة و لقد قام بإصدار بيان أحسبه فطيراً من اجل تعزيز موقفه السياسي وتوريط الشرطة التي إتهمها بإستخدام العنف المفرط و مستنكراً التعنيف الذي صاحب الموكب و الذي سوف يحسب خصماً من مؤسسة الشرطة .. فلماذ تورط الشرطة نفسها في مثل هذه الامور وخصوصاَ ان السيد الوالي تعهد مسبقاً بحماية هذا الموكب و تأمينه حتى يبلغ غاياته ليصبح بهذا التصريح بطلاً امام الشعب بإطلاق سراح كل الموقوفين وتحريرهم من قبضة (عصابة) الشرطة
ما إستغرب له هو ما تقوم به الشرطة من محاولتها لخنق نفسها بنفسها و تجريم ذاتها بذاتها .. فكان يجب عليها فقط طباعة منشورات يتم توزيعها علي الموكب و تدعو فيه المواطنين إلى رفع الحس الامني والحفاظ علي الممتلكات العامة وأن تقوم بتوزع الماء البارد و الزهور بدل البمبان الذي يكلف الدولة كثيراَ من العملات الاجنبية .. و ان تتقدم هذه المواكب بسايرناتها لفتح الطريق أمامه حتي يبلغوا ما يصبون إليه .. وكان واجباً عليها الانحناء لعاصفة الشعب وألا تستجيب لتلك التوجيهات التي تأتي إليها من خارج المؤسسة الشرطية وخصوصاً شاغري المناصب الدستورية الذين فيما بعد يحملون الشرطة كل تبعات ما يحدث من عنف ويصبح موقفها ضعيفاً عندما تستجيب لتنفيذ أوامر (الملكية) من الدستورين الذين يفرضون رأيهم عليها في الباردة ويقفون ضدها في الحارة .. و بعد ذلك لن يجديها نفعاً ما تقوم به من تبريرات عبر بياناتها التي تحاول بها تجميل صورتها امام الشعب
يجب على الشرطة ان تعي الدروس من ما سبق وان تقوم بالإنحياز التام للشعب في مثل هذه المواكب وعدم وضع نفسها في عداوة صريحة ضده ، فيا سيادة مدير عام الشرطة ارجو ان تحاول حماية سمعة مؤسستك اولاَ و ألا تقوم بحماية الساسة الذين يتنصلون عنك في اقرب منحني ويكون فيما بعد هم الشرفاء وان المجرم الضليل الذي تقود عصابة منظمة ضد الدولة … فالعاقل هو الذي يتعظ بغيره وينظر في عواقب التجارب المريرة التي مرت على هذه المؤسسة العريقة و العملاقة و النزيهة و التي دائماً تتحمل أخطاء كل الأداء الحكومي .. و لهذا ارجو منكم إن كان للرجاء نفع أن تجربوا الحلّ الذكي الذي يحميكم ومؤسستكم من السخط الشعبي ولو لمرة واحدة فقط