المتابع للسوشيال ميديا بكل فروعها يجد الكثير من الرفض والاستهجان لتلك الزيارة من وفد مصري كبير على مستوى عالي يقوده رئيس مجلس الوزراء وعدد من الوزراء الكبار.. الرفض دائما تجد مبرراته أن مصر تبحث عن مصالحها على حساب السودان ودون الاهتمام به أو وضعه في الحسبان.. كل التعليقات تستسلم لنظرية المؤامرة علينا كما هو الحال عبر العقود الماضية.. ولكن قبل أن نؤكد أو ننفي صحة أو خطأ ما يقال عن الزيارة علينا أن نؤكد أن مصر دولة جارة في المقام الأول لا انفصام لها وأنها كانت ولا زالت محاطة بكثير من المخاطر عبر الزمن التي تهدد أمنها واستقرارها من كل الاتجاهات ولا تملك إلا أن تدافع عن حقها في البقاء في هذا العالم المتوحش لتبقى قوية مهابة منتجة فاعلة وهذا حقها.. وحقها أيضا أن تبحث عن ما يساعدها على ذلك آمنا ورزقا في عالم لا يعترف الا بالقوى والمحنك القادر على المحافظة على كيانه واستقراره.. إذا أخذنا هذه المعطيات التي يجب أن تنطبق علينا أن أردنا عيشا وبقاءا فلنسال انفسنا ماذا فعلنا نحن تجاه وطننا الغالي الذي نحبه ونعشقه.. مصر رغم كل التقاطعات والأزمات تبادر لزيارة السودان لأنها تمنح الأولوية لحل مشكلاتها معنا أو مع غيرنا.. مصر نتهمها بأن ملف السودان تمسك به المخابرات المصرية ولا أرى في ذلك ما يعيبها فالمخابرات تبحث عن المعلومة لتملكها الساسة ليفاوضوا من موقع علم ومعلومات لا تقديرات وتحليلات صحافة او اجتهادات ساسة مؤدلجين. فلم لا تقوم مخابراتنا بدورها تجاه مصر وغيرها بمبدأ (حرص ولاتخون).. مصر تسعى لتأمين ماءها وغذاء شعبها ما أتيح لها ذلك منا أو من غيرنا وكله بالاتفاق والقانون ولم تضرب أحدا على يده لنصدر لها الماشية حية لتستفيد من لحومها وجلودها وشحومها واحشاءها وعظامها وحتى روثها.. ونقول بيضحكوا علينا فهل هو قرارهم ام قرارنا.. لم لا نعمل على منع ذلك ولن يكون لهم خيار سوى القبول بما نريد أو البحث عن بديل اخر.. مصر تستفيد من فائض نصيبنا من مياه النيل لعقود مضت بسبب عدم قدرتنا نحن من الاستفادة منها في مشاريع زراعية تقينا شح الغذاء وشح الدولار.. مصر أقامت المستشفيات الحديثة واستقطبت مرضانا الذين يدفعون سنويا مئات الملايين من الدولارات ونحن فشلنا في توطين العلاج برغم قدرتنا على ذلك.. مصر استقطبت مغتربينا لشراء أكثر من نصف مليون شقة فخمة في القاهرة وتوسعاتها الجديدة بحثا عن حياة كريمة ومستقرة.. مصر تكرم وفادتنا وتتيح التعليم العالي المجاني لأبناءنا أسوة بالمصريين.. مصر لا تتآمر علينا بل نحن من نتامر على أنفسنا وشعبنا بعدم تجويد عملنا في الداخل وسوء ادارتنا لملفات العلاقات الخارجية.. وستظل مصر تبحث عن مصالح شعبها أينما وجدت وسنظل نلعن الظلام دون أن نشعل الشمعة. نحن حقا شعب قديم واصيل ومتسامح ولكن علينا أن نجود عملنا دون الركون إلى نظرية المؤامرة التي اعيتنا واقعدتنا فالاوطان يبنيها بنوها ومصر إللي فيها مكفيها.. مصر بلد المائة مليون نفس بشرية هي أضخم واقرب سوق لمنتجاتها الزراعية والحيوانية المصنعة أن احسنا تطويرها فهي تعادل ضعف سكان دول الخليج مجتمعة بوافديها.. والنقل لمصر برا أقل تكلفة علينا من النقل جوا لدول الخليج.. مصر الآن صاحبة المركز الأول عالميا في صناعة وتصدير الطحينة والطحنية من سمسمنا الأبيض الممتاز.. وهذا مثالا لا حصرا لما تنتجه مصر من خاماتنا ويدر عليها المليارات سنويا.. كفانا ركونا وتهاونا وتخبطا فالملف المصري أولوية من كل النواحي أمنيا وتجاريا وسياسيا.. وليتنا ننشيء له مفوضية أو مستشارية خاصة بالشأن المصري وبمستشارين في كافة التخصصات من أجل التحاور والتعاون والتفاكر وهو كفيل بالوصول بنا إلى التوازن المطلوب وحقي وحقك.