المشهد السياسي في السودان أقرب “للدراما”، إذ يصعب التنبؤ بالقادم إلا بعد انتهاء حلقات المسلسل..
والغريب أن هذه الحلقات يشاهدها الجميع مباشرةً على الهواء الطلق، فتكتب الصحافة عن أحداثها ويعلو صوت المعنيين بالشكوى، لكن البطء هو الذي يصاحب أي شيء وكل شيء..
في مايو الماضي أصدر وزير الصحة السابق أكرم التوم قراراً بإعفاء الفاتح عثمان من منصبه مديراً عاماً للصحة بولاية الخرطوم، وهو المنتدب من منظمة الصحة العالمية..
أكرم عين حمدان بدلاً عن الفاتح، إلى أن جاء والي الخرطوم السابق يوسف آدم الضي، فأصدر قراراً بإعفاء حمدان وتعيين محجوب تاج السر بدلاً عنه..
أكرم رفض قرار الوالي بحجة عدم اختصاصه، في حين رأى الأخير أن القرار هو من أصل صلاحياته..استمر الاثنان في منصب المدير العام للصحة للولائية، وكان مفاجئاً أن البيانات الصادرة من ولاية الخرطوم تحمل اسم محجوب في حين تحمل البيانات الصادرة من وزارة الصحة اسم حمدان مصطفى حمدان.
بعد إقالة أكرم، وإعفاء الضي، اعتمدت وزيرة الصحة سارة عبد العظيم “حمدان” مديراً عاماً للصحة، حيث كان واضحاً أن القرار الساري هو الذي يصدره الوزير.أمس الخميس أصدر والي الخرطوم أيمن خالد قراراً بإعادة الفاتح عثمان مديراً عاماً للصحة لولاية الخرطوم، بدلاً عن حمدان الذي تم إعفاؤه..
المشاهد المتوقعة في مسلسل الصحة الاتحادية والولائية من جهة وولاية الخرطوم من جهة أخرى، أن تعترض وزيرة الصحة على قرار الوالي أيمن خالد، بحجة عدم اختصاصه في تعيين المدير العام، كما فعل أكرم من قبل، ويبدو أن القانون والاستثناءات التي وضعها مجلس الوزراء فيما يتعلق بالتعيين من “تشاور وإخطار” غير واضحة أو كافية وتحتاج إلى حسم نهائي لا يحتمل كلمات فضفاضة غير قابلة للتطبيق وأقرب إلى لغة العاطفة، وأنه ” لا خاب من استشار”..!
يجب أن ينتهي المسلسل إلى مشهد أخير يرتاح فيه الجمع، حتى يُنجز العمل بانسجام، فهذا النظام الصحي المنهار يحتاج إلى تكاتف وأموال وكفاءات ومقدارات، لأن الواضح أن الصراعات تحيط به من أي جانب..
ليت الصراعات كانت في أي وزارة أخرى، بعيداً عن صحة الإنسان وحياته..!