العين الثالثة- ضياء الدين بلال- صفقة السّيّارات (آخر الزيت)!
-1-
جويس باندا رئيسة دولة مالاوي، وضعت بيع الطائرة الرئاسية ضمن أولوياتها، في إطار سعيها لإصلاح اقتصاد دولتها.
ومنذ تولِّيها المنصب خفّضت باندا راتبها بنسبة 30% وتعهَّدت ببيع 35 سيارة مرسيدس يستخدمها أفراد حكومتها.
كما طبَّقت سلسلةً من إجراءات التقشُّف الحكومية، قبل أن تُطبِّق سياسة التقشُّف على المُواطنين.
وفي روسيا، حرص وزير الخارجية سيرغي لافروف، على استقبال نظيره الأمريكي، بسيارة روسية قديمة، صُنعت بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945م.
-2-
قبل سنواتٍ، نشرت صحيفة (السوداني)، خبراً من مراسلها الهمام عمران الجميعابي، عن استيراد حكومة ولاية الجزيرة (24) سيارة لاندكروزر.
أخذ الخبر حَقّه من الأخذ والرد والتداوُل الواسع، وحينما اطلع عليه الوالي الجديد وقتها، السيد محمد طاهر إيلا، قرّر توقيف عملية الشراء، الصفقة تمّت في عهد سلفه.
لم يكتف (إيلا) بذلك، بل قام باسترداد المال المُخَصّص لشراء السّيّارات، وأحاله لميزانية التنمية بالولاية.
من كل الولاة وكبار المسؤولين في النظام السّابق، لم يَستطع مسؤولٌ، فرض ضوابط صارمة على شراء واستخدام السّيّارات الحكومية الفارهة، سوى إيلا!
-3-
في الأيام الأولى لتشكيل الحكومة الانتقالية، نشرت (السوداني)، خبراً حرّرته الصحفية المُتميِّزة، سوسن محجوب، عن تخصيص سيارات إنفينيتي لأعضاء المجلس السيادي.
قامت الدنيا ولم تقعد، وهاج وماج البعض لنفي الخبر والتشكيك في نوايا الصحيفة.
وتبارى بعض أعضاء (السيادي) في إعلان زهدهم في سيارات الإنفينيتي، أحدهم قال إنه جاء إلى القصر بترحالٍ!
والثاني، التقط صورة سيلفي من داخل سيارة (كوريلا) قال إنّ صديقه تبرّع بتوصيله للقصر!
-4-
ومن المعلومات الرسمية التي خرجت للعلن في تلك الواقعة أن كثيراً من السّيّارات الفارهة ذات الموديلات الحديثة، وجدت بالقصر ضمن تركة النظام السَّابق.
بل قيل إنّ سيّارات الإنفينيتي تحديداً تمّ شراؤها في عهد المجلس العسكري الانتقالي بعد التغيير!
ترى، متى تَحَوّلت تلك السّيّارات إلى (خردة)، يا سعادة الأمين العام لمجلس السيادة؟!
مَضَت الأيام وانتقل الحديث عن سيارات الإنفينيتي إلى الإرشيف ونسي الناس ما أُثير وقتذاك، واستلم كل عضو بـ(السيادي) السّيّارات المُخصّصة له!
الادّعاءات والمزاعم، مثل المساحيق لا تبقى طويلاً على الوجه، يزيلها العرق وتذيبها أشعة الشمس!
-5-
واصل صديقنا الحبيب الدكتور مزمل أبو القاسم إحراز أهدافه الصحفية (الذهبية)، لمصلحة المواطن السوداني.
مزمل وجّه مصباحه الصحفي نحو العتمة، للكشف عن صفقة مشبوهة تمّت بـ(الغُمتِّي) لشراء (35) سيارة بقيمة (٤٨٣)ملياراً، لمصلحة المجلس السيادي!
ومن قبل كان لمزمل وصحيفته (اليوم التالي)، الدور الرئيس في الكشف عن صفقة الفاخر الأكثر مشبوهية، وفضح تجاوزات البنك الزراعي.
-6-
ما تفعله الصحافة اليوم هو ما ظلّت تقوم به من زمان، والإرشيف يشهد لها بذلك، وإن أنكر الناكرون وادَّعَى عليها المُغرضون.
كثيرٌ من قضايا الفساد تفجّرت أسرارها على صفحات الصحف، وكانت المُؤسّسات الصحفية تدفع مُقابل ذلك ثمناً باهظاً.
مُصادرات واستدعاءات واعتقالات وعقوبات مالية وتضييق منافذ التوزيع.
لولا خبر (اليوم التالي) ومصباح مزمل، لاكتملت الصفقة المشبوهة باستخدام فقه (الغتغتة والدسديس).. ولذهبت المليارات لشراء الفارهات، في وقتٍ تنعدم فيه الأدوية المُنقذة للحياة من الصيدليات!
-7-
البيان المراوغ الخداع، الصادر من المجلس السيادي، لم يستر عورة الموقف، بل كشف جوانب أكثر خُطورةً، وطرح تساؤلات أكثر من تقديم إجابات.
المُشكلة الكبرى ليست في شراء السّيّارات فقط، ولكن في الطريقة الفاسدة التي تمّت به عملية الشراء، دُون التقيُّد بالإجراءات القانونية.
كان على البيان أن يكشف اسم السيدة أو الآنسة صاحبة الشركة التي وقع لها حق شراء السّيّارات، دُون عطاءٍ، مَن تكون؟!
مَن هي؟.. ولماذا هي دون غيرها؟… وما علاقتها بالأمين العام للمجلس أو مَن اختارها لذلك؟… وما مُؤهّلاتها حتى تُحظى بذلك الربح الوفير؟!!
لم ننسَ بعدُ؛ قصة شراء اليخت الرئاسي في النظام السابق!
(……).
وإذا كَانَ ما حَدَثَ خطأً وتجاوزاً، لماذا لا يُعاقب من اقترف ذلك أو على الأقل، لماذا لم تُشكًّل لجنة – حتى ولو وهمية كسابقاتها – للتحقيق في ما حَدَثَ؟!
السُّؤال المُهم كذلك، هل مَا تَمّ كان بعلم أعضاء المجلس أم لا؟!
في حال عدم العلم (تبقى دي مصيبة كمان)، هل من صلاحيات الأمين العام لمجلس السيادة أن يتصرّف في مثل هذه الأموال الطائلة دُون قرار من جهةٍ عليا، أو إخطار من جانبه لأعضاء المجلس؟ وهل لا يزال يملك (الغالي) تلك السُّلطة أم نُزعت منه؟!
-أخيراً-
كَثيرٌ من الأسئلة المُهمّة تنتظر الإجابة عليها، قبل إحالة ملف السّيّارات الفارهة للإرشيف.
أو قبل وضعه في صندوق الذكريات، فربما مَا حدث هو أول الخيط وليس آخر (الزيت)!!
نقلاً عن (السوداني)