* في تصريح صحفي لأجهزة الاعلام، تحدثت الدكتورة (آمنة محمد المكي) الوالية الجديدة لولاية نهر النيل عن سحب الحراسات العسكرية الخاصة في الولاية بصورة مفاجئة بدون إخطار حكومتها بواسطة الوالي السابق المكلف قائد سلاح المدفعية بعطبرة (اللواء عبد المحمود) ما ترتب عنه سرقة محتويات خزنة محلية (بربر)، بالإضافة الى تغيب الاعضاء العسكريين بكل لجان الولاية عن الاجتماعات بصورة كاملة، وعندما اتصلت بهم حكومة الولاية لمعرفة السبب أبلغوها بأنهم تلقوا (اوامر) من قياداتهم العسكرية بالتوقف عن العمل وحضور الاجتماعات !!
* لو صحت هذه الرواية الغريبة ــ وليس لدى أدنى شك في صحتها لعدم وجود ما يدعو الوالية الجديدة للكذب واختلاق روايات غير صحيحة وخلق عداء مع السلطات العسكرية بالولاية، خاصة سلاح المدفعية الذى كان اول الاسلحة التي ساندت ثورة ديسمبر المجيدة وأظهر أفراده الكثير من الحكمة والانضباط وحسن التصرف وحماية المتظاهرين في مدينة عطبرة عندما استعان بهم النظام البائد لقمع الثورة، ولم تقتصر الحماية على عطبرة فقط وانما امتدت لتشمل الخرطوم والمعتصمين في ميدان القيادة، وهى فرصة أجدد فيها التحية والاحترام لجميع أفراده من اعلى قمة الهرم الى أسفل القاعدة، والى كل افراد القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى التي وقفت موقفا مشرفا من الثوار والثورة، وكانت أحد اسباب نجاحها ــ لو صحت الرواية فإنها تكون كارثة !
* بل أكثر من كارثة، لأنها تُعبّر عن الروح السيئة التي يمكن ان تتعامل بها السلطات العسكرية مع الحكومات المدنية والمدنيين في كل الولايات وليس في ولاية نهر النيل فقط، فكيف تنسحب الحراسات العسكرية الخاصة فجأة وبدون إخطار من الاماكن التي تتولى حراستها وتقع تحت مسؤوليتها المباشرة لدرجة ترك خزنة مالية تحتوى على مال الدولة بدون حراسة لتتعرض للنهب، وكان من الممكن جدا ان تتعرض اماكن اخرى لما تعرضت له خزنة محلية بربر!
* وهل يعقل تغيب اعضاء اللجان الحكومية العسكريين من الاجتماعات والتخلي عن واجباتهم الرسمية بدون حتى إخطار حكومة الولاية وكأن حكومة بربر وممتلكاتها ليست ملكاً للدولة، وانما ملك خاص للدكتورة (آمنة) والمدنيين، لتتخلى العناصر العسكرية عن واجباتها بعد انتهاء فترة عمل الوالي العسكري المكلف بهذه الطريقة الغريبة التي لا تظهر انعدام الروح الوطنية وعدم الرغبة في التعاون مع شركائهم في الوطن من المدنيين فقط، وإنما تُعتبر جريمة خيانة أمانة يعاقب عليها القانون بأشد العقوبات، كما انها تتنافى مع ابسط قواعد الضبط والربط الى عرف بها العسكريون !
* ونتساءل .. هل نتوقع وقوع تصرفات مماثلة في الولايات الاخرى وان يغلق العسكريون في كل أنحاء السودان وليس في ولاية نهر النيل فقط أبوابهم في وجوه المدنيين ويتخلوا عن واجباتهم الرسمية في حفظ الامن وغيره من الواجبات الاخرى التي لا تستدعى التعاون مع المدنيين والعمل في اللجان المشتركة فقط، بل والاستجابة لأوامرهم في كثير من الاعمال الرسمية حسب المواقع التي يشغلونها في الدولة، والتعامل معها بكل انضباط وتنفيذها بكل دقة، وإن أهملوا أو قصروا أو امتنعوا لا بد أن يخضعوا للعقاب حسب القانون مثلما يحدث في كل دول العالم .. ليس من مبدأ سيادة المدني على العسكري أو تميزه عنه، وانما من الموقع الرسمي الذى يشغله وانسحاب أوامره على الكل مدنيين وعسكريين، وبنفس المبدأ يجب أن يكون للعسكري سلطته وكلمته واحترامه في الموقع الذى يشغله، أما ان يمتنع العسكريون من التعامل و التعاون مع المدنيين لانهم في نظرهم (مجرد ملكية) او لان الحكم القائم في البلاد حكم مدنى (مع أنه مختلط في الوقت الحالي)، أو تعامل المدنيين مع العسكر بأنهم (مجرد عساكر) لا يفهمون شيئا، فهو خلل خطير ونظرة خاطئة لا بد ان تتغير وان يتعامل الجميع مع بعضهم البعض بكل واحترام وانضباط ومسؤولية، كل في حدود سلطاته ومسؤولياته، وإلا فإن الدائرة الشريرة التي ظلت تفتك بالسودان لن تتوقف عن الدوران!
* لا بد ان أن يجد التصرف الغريب الذى حدث من العسكريين في ولاية نهر النيل والشخص الذى اصدر الاوامر العقاب اللازم، وإلا فعلينا ان نتوقع الأسوأ في قادم الأيام !
صحيفة الجريدة