أخيراً انتهت معركة اختيار ولاة للولايات من المدنيين، برغم رفض بعض القوى السياسية وتحفظات من البعض الآخر.
بدءا نسوق التهنئة إلى العنصر النسائي على تولي المنصب الرفيع في ولايتي نهر النيل والشمالية، وهي المرة الأولى التي تنجح فيها النساء للوصول إلى حكم الولايات، كأحد أهم التغييرات التي قادتها ثورة الوعي الاجتماعي التي شهدتها البلاد بعد ثورة ديسمبر المجيدة.
انتهت معركة اختيار الأشخاص لتبدأ معركة التغيير في واقع مزر تشهده ولايات السودان المختلفة بلا استثناء. حكم الولايات في هذه المرحلة ليست نزهة، وليست مجرد مناصب وامتيازات، بل هو تحد ضخم محفوف بالمخاطر، ترتفع فيه مؤشرات الفشل إذا لم يكن الوالي من أصحاب الكفاءة والرؤية الصائبة .
لقد شهدت ولايات السودان تدهوراً مريعاً في الخدمات بسبب إهمال المركز، وأيضاً بسبب اختيار الولاة على أسس المحاصصة السياسية والقبلية والجهوية، فكانت إدارة الولايات مسخاً مشوهاً، لا هي نظام فيدرالي ولا هي أقاليم في نظام اتحادي ذات صلاحيات محدودة.. هذه التشوهات كانت تظهر بوضوح من خلال التقاطعات والصراعات بين المركز والولايات في الاختصاصات، خاصة فيما يختص الجوانب المالية.
سكان الولايات ضاقت بهم الأرض فلجأ معظمهم إلى الخرطوم، هرباً من سوء الأوضاع المعيشية، وانعدام الخدمات الأساسية كالصحة والتعليم، والمياه، وارتفاع نسبة البطالة، والفقر والعوز والمرض.
انهيار القطاع الزراعي وعدم وجود مشاريع تنمية أدى إلى هروب سكان المناطق الريفية إلى المدن الكبيرة خاصة نحو الخرطوم، وذلك للبحث عن لقمة العيش من مهن هامشية غير منتجة.
تحديات كبيرة لولاة الولايات في إقليم دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق، حيث عشرات الآلاف من النازحين واللاجئين الذين فقدوا قراهم بسبب سياسة النظام البائد.. هؤلاء المواطنون في أمس الحاجة للخروج من الظروف اللاإنسانية التي وضعتهم فيها الحرب.. واجب حكام هذه الولايات الإسراع في معالجة الأوضاع وليس الانتظار إلى حين إعلان توقيع اتفاق السلام.. من المهم تهيئة ظروف مناسبة للعيش في مناطق ملائمة تتوفر فيها الخدمات الأساسية وسبل كسب العيش.
ولايات الشرق ظلت منسية طيلة العهد السابق، مواطنو المحليات والقرى يعيشون في فقر مدقع، الأمراض والأوبئة ظلت تحصد العشرات كل عام. هذا بخلاف الأزمات المعروفة من شح مياه الشرب النظيفة.. والحال ليس بأفضل في ولايات الشمال.
الآن مطلوب من الولاة في العهد الجديد إعادة هندسة الولايات برؤية مختلفة. وانتهاج إستراتيجية تجعل من الولايات مناطق جذب للإنتاج والمستثمرين، لا مناطق طرد للسكان الأصليين كما كان يحدث سابقا.. فهل نتطلع إلى واقع جديد يرسخ من مفهوم الإنتاج والتنمية، وتوفير الخدمات، بدلاً من مطاردة وزارة المالية الاتحادية بحثاً عن الدعم وتوفير الفصل الأول لموظفي الولايات.