في بيانه المفاجئ، حول أسباب مغادرته أورد وزير المالية المستقيل أو المقال – سيان – إبراهيم البدوي بيت الشعر الشهير لأبي تمام
ليَسَ الغبَيُّ بِسَيد في قوَمِهِ .. لكِن سَيِدُ قوَمِهِ المتُغَابي
وذلك عندما التقى رئيس الوزراء عقب تقدمه باستقالته .. وقد قرر التغابي عن ترتيبات تمت وراء الكواليس لتكليف شخص بدلاً عنه.. كان على علم مسبق به.
لكن البدوى لم يتغاض ولم يتغاب .. بدليل بيانه الذي كشف من خلاله عن حزمة من الاختلالات داخل الحكومة .. ربما هي السبب المباشر في بطء الايقاع والضعف الذي يلازمها.
لكن المقلق في حديث البدوي هو تغول حمدوك على صلاحيات الوزراء أو هيمنته على ملفاتهم .. وقد قال نصاً: (كنت وما زلت أعتقد أن الملفات المتعددة والحساسة التي يشرف عليها السيد الرئيس .. تجعل من الأهمية بمكان تفويض بعض الصلاحيات الهامة للوزراء الذين يتولون قيادة القطاعات الوزارية.. كالقطاع الاقتصادى على وجه الخصوص).
وكذلك الحديث عن وجود جسم موازي لمجلس الوزراء (وهذا التعبير من عندي) ممثل في المستشارين الذين يتحلقون حول حمدوك .. بدليل أن البدوي طلب من حمدوك أن يحدد مساحة وطبيعة الملفات الاقتصادية التي يرى أن تكون تحت إشرافه المباشر .. وعن طبيعة المهام التي سيطَلِع بها مستشاروه الإقتصاديون..
وربما عانى البدوي من تضارب الصلاحيات .. ومن شخصيات متنفذة من خلف الكواليس عبثت بملفاته .. من خلال محاولاته اقناع حمدوك بضرورة منحه؛ كوزير مالية؛ صلاحيات تنسيقية كافية لكي يقود عملية انفاذ برامج متفق عليها مع صندوق النقد الدولي.
ويفهم كذلك من بيانه أن تلك الشخصيات أحدثت وقيعة بينه وحمدوك .. ولم تشفع علاقته به لربع قرن من الزمان .. ولم تشفع له كذلك مشاوراته المبكرة معه منذ لحظة إبلاغه اختياره للمالية .. قبل ميلاد الحكومة بشهر.. وتجاهل حمدوك له في وقت كان ينسق مع خليفته د. هبه
وكذلك أظهر بيان البدوي وبشكل جلي أن الجهاز التنفيذي.. يفتقر للانسجام والتناغم .. بإقراره الترويج لمشروعه (خطة نهضة السودان الاقتصادية: 2020-2030) بواسطة كيانات إعلامية ومهنية وأكاديمية مهتمه بالاقتصاد .. بمعزل عن المنصة الإعلامية الرسمية للحكومة.
ومع أن البيان غير موفق وسعى البدوى من خلاله لتمجيد تاريخه الاقتصادي .. الذي عجز عن إنزاله لأرض الواقع وأغرق الحكومة في وحل (المرتبات) .. إلا أنه درس للحكومة في أن تحسن الاختيار في المرات القادمة .. لا يعقل أن يرفض وزير التقدم باستقالة ويضطر حمدوك للاطاحة به .. ويصدر أخر بيان ولسان حاله يقول (الحكومة هي الخسرانة).
وضع مخالف تماماً لشعارات الزهد والترفع عن المناصب .. تم رفعها في الفترة الماضية .. وهاهي أحزاب قوى الحرية تعلن المشاركة في السلطة .. أن بيان البدوي يتطلب من حمدوك مراجعة مافي يده من ملفات .. وقياس المساحة التي يتحرك فيها مستشاروه ومن حوله .. وقد علمت أن أحدهم مستشار لشؤون الدواء .. ولا أدري مدى صحة ذلك.
أرسي البدوي لمسألة غير مألوفة عن الإقالة والاستقالة .. لكن يبدو الأمر طبيعياً لرجل كل كسبه في المعارضة ورقة قدمها في ورشة بالقاهرة أبان التجمع المعارض
آخر لحظة