من المدير حتى (الألفة) يا حمدوك – حسين خوجلي
من قفشات الريفي وهو يحكي لنا عن تاريخ الصحافة السودانية أن الراحل يحيى الفضلي القيادي الاتحادي الجهير السيرة والمقلق الافعال والاقوال. ولهذا القلق الذي يحدثه لحزبه وللمنافسين كانوا يسمونه “بالدينمو”.
فالرجل كان نجما في الليالي السياسية، ونجما في الوزارة، ونجما في صحافة الحزب. وفي احدى رحلاته خارج البلاد استدعى الراحل علي حامد رئيس تحرير العلم وأخبره باسرار العمل الصحفي الذي كان يقوم به وسلمه قائمة باسماء المصادر التي يجب أن يتصل بها في فترة غيابه. وكان للفضلي مساحة تتجاوز النصف صفحة تكشف أسرار الاحزاب المنافسة تحت مسمى (قالت مصادرنا في دوائر الاحزاب السودانية).
بعد أن انتهت المقابلة بين الرجلين قال علي حامد قبل أن يغادر: لقد وعيت كل الذي قلته، ولكن ماهي مصادرنا في دوائر الاحزاب السودانية؟
فقال يحيى الفضلي وكان صاحب ضحكة مزلزلة : مصادركم في دوائر الاحزاب السودانية هو الاستاذ يحيى الفضلي، وبالطبع لن استطيع أن أتصل بك يومياً وأنا في المهجر، فليحجب الباب إلى حين عودتي.
وفي هذا المقام دعوني استأذن الريفي والفضلي وعلي حامد أن استخدم العبارة استهلالا (قالت مصادرنا وسط الاحزاب السودانية) الراهنة والمكونة للحرية والتغيير المستأنس منها والغاضب والغاصب أنهم أمدوا الدكتور حمدوك بما يقارب المائتي ترشيح للولاة والوزراء ووزراء الدولة لحكومته الفضفاضة القادمة، والتي ستكون إن أُقِرت والعياذ بالله ضائقة اقتصادية جديدة ومنصرفات لا قِبل لهذا الشعب المسكين بها، باختصار ستكون هذه هي القشة التي قصمت ظهر البعير.
وبلا حياء تواصل الاحزاب خيانة ثورة الشباب “يوماتي” وتتنكر للميثاق وللوثيقة الدستورية التي اعترفت وأقرت بأن يدير المرحلة الانتقالية عدد محدود من الكفاءات المستقلة بعيداً عن التحزب والانتماء، ولكن يبدو أن ما ناله الحزب الشيوعي وشظايا حزب البعث والناصريين والجمهوريين من نفوذ ووظائف غير مؤهلين لها لا فنيا ولا اخلاقيا، اغرى الاحزاب الاخرى حزب الامة والاتحاديين وجبهة الاحزاب الوطنية العريضة أن تمد “قرعتها” حتى تنال بعض شتات اللبن والعسل المكسوب، خاصة وأن الاخبار التي ملأت منتديات المدينة تقول أن الجميع قد يئسوا وتنكروا للانتخابات والحكومة الشرعية القادمة بعد الانتقال فقررت قحط وصويحباتها تمديد الفترة الانتقالية بما يقارب السبعة سنوات وهذه السبعة اللعينة من غير توقيع عبد الواحد والحلو.
فليستعد الجميع اذا مرت الخدعة على حمدوك والبرهان لألف عربة لاندكروزر والف مكتب والف سكرتيرة والف مدير مكتب والف سيارة للاسرة السعيدة والف قطعة أرض مميزة والف شراكات خفية مع تجار الغفلة وبلايين الجنيهات المطبوعة بلا غطاء للرواتب والامتيازات تلك الممهورة الوجه بالدمع والدم والكورونا والملاريا والجوع والجهل والسعال.
وإن العالمين ببواطن الأمور والفاضحين لآمال هؤلاء العاطلين عن شرف الوطنية والتضحية والكفاءة متأكدون بأنهم سوف يرتضون بأي وظيفة وأي مسمى في زمان القفر والفقر ولؤم المفردات، نعم سيرتضون بأي وظيفة مهما كانت حقيرة ووضيعة ما دامت تحقق الحد الأدنى من التميز الكذوب والرزق الحرام.
وفي هذا المقام تحضرني حكاية استاذنا الاديب الساخر عبد الله الشيخ البشير فقد روى لنا: بأن لهم زميل معلم بالمدارس الثانوية تعلق قلبه ومستقبله بالعمل النقابي ما بعد اكتوبر فعافَ السبورة والطبشورة وازعاج الطلاب وصارت أيامه غيابا دائما عن الالتزامات أو سفرا دائما للمؤتمرات. وقد تم تعيينه لاحقا مديرا لمدرسة ثانوية ذات سمعة وقيمة علمية فلم يلتزم بتعهداتها وظل سادرا في غيه النقابي بلا مبالاة لأخلاق مهنته فانفطر عقد النظام بالمدرسة، وتردت سمعتها للحضيض.
ذهب وفدٌ غاضب من أولياء الأمور إلى وزير التربية والتعليم وشرحوا له تفاصيل الكارثة التي تنتظر ابنائهم وانشغال المعلم الناشط باموره الحزبية والنقابية.
استدعى السيد الوزير مدير المدرسة النقابي اللامبالي وقد استقر قلبه وعقله على حل عبقري يمسك به لسان الرجل الفالت ويحافظ به على مستقبل الطلاب وسمعة المدرسة العريقة قال له في هدوء: لقد قررنا تخفيض وظيفتك من مدير مدرسة الى وكيل، وقبل أن يكمل السيد الوزير مرافعته ثار المدير النقابي ثورة جبارة كان يمتلك أدواتها بخبرة المنابر والهتاف وبعد أن افرغ ثورته المُضرية وسكنْ، أكمل الوزير الحكيم مرافعته قائلاً: إننا نقدر تماما يا سيادة المدير مشاغلك ودورك النقابي واسفارك، ولذلك قررنا أن نبعد عن كاهلك مشقة التدريس والادارة، وانتقادات التقصير من الزملاء والطلاب.
وأحب أن اطمئنك وقد قالها هامساً وبدرامية بارعة (صحيح أننا قد خفضناك لوظيفة الوكيل، ولكن سيبقى راتبك كما هو وامتيازاتك كما هي وسنخفف عنك أعباء الحضور والغياب دون مساءلة أو تحقيق).
هنا انفرجت أسارير النقابي الاحترافي ورد في ضحكة ومرح وخبث: (مادام يا سيادة الوزير الراتب كما هو والامتيازات كما هي فأنا معاكم من وكيل حتى ألفة).
عزيزي حمدوك آن هذه المئات من الأسماء التي ملأت منضدتك الرئاسية لا تخفْ من مسمياتها التي تمتد من الوزير المركزي مرورا بوزير الدولة والوكيل والمستشار وكل هؤلاء طلاب دنيا، ومادام الراتب حاضراً والامتيازات والسفريات والأضواء والسكرتيرة الحسناء فإنهم معك من الوزير حتى (الألفة).
ولا عزاء للشباب ولا للطلاب الثائرين.