اذا تورطت في مشاجرة على قارعة الطريق مع شخص غريب ..تطور الامر إلى عراك واشتباك بالأيدي ..صفعك ذلك الشخص على خدك ..صفعة مؤلمة ..ربما تترك علامة على وجهك ..لكن لو كانت الصفعة من شخص قريب لك ..تعرفه ويعرفك ..جاورته في الحي أو زاملته في الدراسة أو يقرب لك من قريب أو بعيد ..تلك الصفعة ستترك إثرها في قلبك قبل جسدك ..الألم الذي يخلفه جور الأقرباء ..أفدح وأصعب رغم أن الفعل هو الصفع نفسه..قالها طرفة بن العبد قديماً وظلم ذوي القربى أشد مضاضة ..على المرء من وقع الحسام المهند حتى متى يستمر نزيف دارفور ؟..الموت يحصد العشرات من الأنفس تحت سمع وبصر الجميع ..والجاني معروف ..ولا أحد يتجرأ ليوقفه عند حده !! حتى متى تظل دارفور بعيدة عن العين و القلب معا؟؟ ما الذي يحدث هناك ؟ لا أحد يتابع ..وأخشى قول ان لا أحد يكترث ..صفق البعض لاعتصام نيرتتي ..رفعوا الصور في (التايم لاين) للفيس بوك ..كتب بعضهم هاشتاق #كلنا نيرتتي# وبس خلاص ..
بالأمس حدثت مجزرة فتابرنو ..المليشيات المسلحة قتلت أنفساً برئية ..لاحول لها ولا قوة ..والجاني لا يزال حرا طليقا .. ..كدي قولوا لي انا المواطنة البسيطة دي ..ماهي هذه المليشيات المسلحة ؟ تابعة لي منو ؟ من أين تستمد قوتها وجبروتها الذي تمارسه عيني عينك ؟؟ عشان نقدر نحدد ونعرف لمن نعنون الخطاب ولله المشتكى أولاً وأخيراً …أين الجيش السوادني سيد الاسم و(الحارس مالنا ودمنا) ؟ أين هو و مجازر كهذه تحدث داخل منطقة عمله وفي وضح النهار !!..فهمونا يا جماعة ..ما الذي يحدث بالضبط هناك ؟..وأين هي الحكومة المركزية التي تعهدت بالاستجابة لمطالب التظاهرات ؟..وأول تلك المطالب كانت التخلص من المليشيات المسلحة ..وبسط الأمن حتى يتمكن مواطنو دارفور من الزراعة .
أذكر في بداية التسعينيات ..عندما زرنا جبل مرة .. تم اسكاننا في استراحات على قمة الجبل ..عندما سألنا عنها ..قيل لنا أن الانجليز اقاموها فقد كانوا ياتون للسياحة فيقيمون فيها ..صدق أو لا تصدق ..ان تلك الاستراحة لم تتم اضافة اي شئ لها منذ عهد الاستقلال ..حتى الكهرباء لم يتم ادخالها ..عندها انتبهت ان الانجليز كانوا أكثر رأفة بنا من ذوي القربى ..الانجليز مدوا خطوط السكك الحديدية ..انشاوا مشروع الجزيرة ..طوروا ميناء بورتسودان ..ارسوا دعائم الخدمة المدنية ..انشأوا جامعة الخرطوم ..ماذا فعلنا نحن غير أن ظلمنا بعضنا البعض وتوقفنا عند ذات النقطة التي تركنا فيها المستعمر ..بل رجعنا الى الوراء في نقاط كثيرة.
أذكر أنني قرأت قبل فترة لقاء مطولاً مع سودانية طالبت بعودة الانجليز للحكم مرة اخرى ..وقالت ( إن أسوأ شيء فعله الخواجة ..هو خروجه من السودان باكراً )..أخشى ما اخشاه أن يكون الحل في الغرباء ..فالامر ليس فقط توقف عجلة التنمية بخروجهم ..ولكن لأن ظلم ذوي القربى أهلكنا وأرهقنا ..ظللنا لعقود وسنوات تئن ظهورنا من لهيب سياط الامن ..وتصوب المليشيات المسلحة بنادقها صوب صدور أولادنا العارية ..وتحصد أرواحنا وجوه تشبه ملامحنا وصورنا .. قتلتنا أيادي ذوي القربى …في كجبار ..وفي الخرطوم .وفي العيلفون ..واخيرا في فتابرنو ..الماساة أننا لم نفعل شيئا نستحق به الموت ..غير رفع عقيرتنا بكلمة (سلمية ..سلمية )..الموت ليس مؤلما في حد ذاته ..المؤلم أن يكون بيد ذوي القربى .
صحيفة الجريدة