كان الراحل الشهيد سليم اللوزي أحد اساتذتنا الكبار في الصحافة، وأذكر تماما أننا منذ الثانويات؛ كنا ننتظر مجلة الحوادث اللبنانية على أحر من الجمر، وعلى صفحاتها الغر طالعنا أقيم وأصدق الأقلام العربية في مجال السياسة والثقافة والفكر والمنوعات، وكان للرجل عبارة شهيرة يحرّض عبرها ناشئة الصحفيين على صحافة المعلومات والتحليل؛ ويضيف أن الصحافة المادحة عبر المفردات الوردية هي خدر لذيذ، والصحافة القادحة بلا معلومات هي من باب الخدر اللئيم، وتظل عنده الصحافة الباقية هي: التي ترهق صاحبها في جمع المعلومات وتنقيحها وتحليلها.
وفي ظنه أن الصحفي المتمهر في صنعته؛ أسمى مقاماً من القاضي العادل، وكان يسمي صحافة المعلومات بالصحافة الصادمة، التي يحتاجها العقل العربي الرافل في غيبوبة الخبز والحشيش والقمر.
تذكرت عبارة الرجل حين ناقشني أحد الاصدقاء العلمانيين؛ حول أحقية المسيحيين في بلادنا في إنشاء مصانع الخمور وفتح الحانات وبيعها بأنواعها ليل نهار. وقد صدمته بسؤال لم يكن يتوقعه؛ حين قلت له: كم تظن عدد المسيحيين في بلادنا؟ تلعثم الرجل في الإجابة، وحين أصررت على استنطاقه، قدّر تعدادهم بأكثر من ٣ ملايين، وكانت الصدمة الثانية بالغة، حين سألته ثانية: هل هو متأكد من هذه الاحصائية والعدد؟
فتردد وقال لي: هل لديك إحصائية أكثر دقة مما ذكرتُه؟
وقلت له: نعم، ومن أجل تعميم الفائدة؛ أرجو أن تكتبها على قرطاس غليظ.
قد شاع عند العامة والخاصة افتراء مفضوح عن أهلنا النوبة في جنوب كردفان، باعتبار أن غالبيتهم من المسيحيين المطالبين بإشاعة وإشهار الخمور، وقد أذاع للأسف أعداء هذه القبيلة المجاهدة النبيلة وأعداء الإسلام؛ هذه المعلومة المغلوطة في الآفاق، حتى صدقها الكثيرون داخل وخارج بلادنا، والحقيقة أن تعداد قبيلة النوبة بكل بطونها؛ تشكل ٤٠٪ من سكان جنوب كردفان البالغ عدد سكانها ٢ مليون نسمة، أي أن تعداد قبيلة النوبة ٨٠٠ ألف نسمة (إحصائيات المنظمات الاوروبية والامريكية تقول انهم ٣٨٪ من عدد السكان)
١/ أعزائي القراء (أمسكوا الخشب) هل تصدقوا رغم كل تلك المزاعم أن عدد المسيحيين وسط هذه القبيلة المسلمة بالفطرة؛ لا يتعدى ال١٥ الف مسيحي، نعم ١٥ الف فقط لا غير، وهذا يعني أن عدد المسلمين النوبة ٧٨٥ ألف مسلم.
ومن المعلومات الجديرة بالتبيان، أن ال١٥ ألف مواطن مسيحي، أكثر من ٨٠٪ هم الآن بولاية الخرطوم.
ومن المؤسف أن الأغلبية العظمى من جيش عبد العزيز الحلو (٢٥ الف مجند) من أبناء المسلمين المخدوعين بشعاراته المزيفة، وأغلبية قياداته المتنفذة في الجيش هي من المسيحيين الذين يسترضيهم بشعار العلمانية أو الانفصال.
٢/ المجموعة الثانية من المسيحيين السودانيين: هم من الأقباط وعددهم بعد هجرتهم الكثيفة لأوروبا وأمريكا وأستراليا؛ لا يتجاوز ال٣ الف مواطن، يعيشون وسطنا بالترحاب والسعة والسلام.
٣/ وهناك مجموعة أخرى تقدر بألف مواطن، من مجموعة الأودوك بالنيل الأزرق؛ في خور يابوس المتاخم لحدودنا مع جنوب السودان، وهذا يعني أن كل المسيحيين في بلادنا لا يتجاوزون العشرين ألف مواطن، أغلبهم لا يعاقرون الخمر، ولا يشرفهم تصنيعها ولا بيعها ولا الاتجار فيها.
ورغم أنف ٤٣ مليون سوداني أجيزت التعديلات المشبوهه للقانون الجنائي؛ تلك التي أقرها دون مشورة المواطن الأمريكي من أصول سودانية نصر الدين عبد الباري، في زمان الجوع والمرض والردة.
وأخيرا عزيزي الفريق البرهان: إذا وصلت بنا المهانة والاستهانة بأن يبدل العلمانيون والشيوعيون تشريعاتنا ومنظومتنا القيمية دون حذر أو خوف أو إشفاق، وإذا كان للجمهوريين المدان كبيرهم بالردة أن يضعوا مقررات أطفالنا واعتقال مستقبلنا؛ واعتبار سورة الزلزلة من البطش الذي لا يليق بذراري المسلمين، وإذا كانت هنالك أقلية من المتمردين تريد أن ترتب تاريخ وجغرافيا بلادنا، وتركب الحياة القادمة كما تشتهي وهي لا تملك حاضنة بالداخل ولا اسناد بالخارج، فنرجو من سعادتكم إخطارنا بالزمان والمكان الذي تدفع فيه أغلبيتنا الجزية عن يدٍ ونحن صاغرون؟