ما وراء الخبر – الحرب القادمة .. متى ؟- محمد وداعة
يجمع خبراء الاستراتيجية في مراكز فض النزاعات والمهتمين بشؤون الحرب و السلام على أن السلام الجزئي والذي لا يخاطب الجذور التاريخية للحروب واسبابها و مسبباتها يبقى ناقصاً ، وعليه فهو يفتقر إلى العدالة في مناطق النزاعات المسلحة ولا يتجاوز كونه هدنة مؤقتة يلتقط فيها المحاربون انفاسهم استعداداً لحروب جديدة أكثر ضراوة من الحروب السابقة، وربما يتفشى العنف ليصل للاحتراب الاهلي .. و تتحول الشعارات الثورية التكتيكية إلى حرب شاملة ، لذلك فإن اقتصار عملية السلام على قسمة الثروة والسلطة في دولة على حافة الانهيار الاقتصادي سيجعل من السلام حبر على ورق ، ومن ناحية أخرى فإن عدم حل الاشكالات الثقافية والاجتماعية سيظل ( نار تحت الرماد ) تنتظر حادثة صغيرة لتنطلق النار من مستصغر الشرر ، بينما الناس تتجه لتوقيع ( اتفاق سلام ) الغريب ان لا حديث يعلو الآن غير حديث بث الكراهية واشعال فتيل العنصرية ، من ناشطين على الميديا والخطير هو ما تتحدث به قيادات معروفة زعمت انها تعاني من التهميش فأقبلت وخططت لتهميش الآخرين وبالقانون هذه المرة .. إن استخدام تعبير (المستوطنين) او الغرباء في بلد يضم الجميع لهو عنصرية جديدة وكراهية جديدة مغلفة بمفاهيم التهميش الذي تعاني منه كل المناطق السودانية في الولايات كافة شمالاً وجنوباً ، شرقاً وغرباً … لا استثناء لمنطقة معينة أو عرق أو قبيلة سلمت من بطش النظام السابق وجبروته … فمن شاركوا النظام السابق في حزبه وحركته الاسلامية وحكوماته لم يكونوا من منطقة معينة أو ولاية محددة بل ربما كانت مساهمة المناطق المهمشة في تكوين مؤسسات وتنظيمات وواجهات النظام السابق هي الاكبر … ولذلك فلا يمكن محاسبة جهة أو مكون على أسباب وجود بعضاً من بني جلدته في مؤسسات النظام المباد ، هذه مسئولية فردية ، لا يبنى عليها حكماً على أي مكون .. ولذلك حظرت الوثيقة الدستورية المكونات السياسية للنظام المباد ولم تطالب بعزل الجغرافيا والمجتمع .. كما انه لا يوجد تصنيف او احصاء بأي المناطق كان للنظام المباد نفوذاً فيها أكثر من غيرها .
استنتاج بديهي يفيد بأن مستقبل العملية السياسية الجارية محفوف بالمخاطر وما يليه ربما لا يمكن التنبؤ به إلا لجهة عدم الاستقرار … او استقرار هش في احسن الاحوال يحتوي على بذور الانفجار ، خاصة في ظل التذمر وعدم الرضا من جهات تمثل نظرياً اطراف النزاع الحالي … ولعل خطاب العنصرية والكراهية المتمدد حالياً يمهد لعنصرية مضادة ستقود حتماً الى اصطفاف جهوي يهدد العملية السياسية ويفرغ العملية الانتخابية من جوهر ارادة الناخب،مع تضاؤل و غياب قدرة القوى السياسية والمدنية المنظمة في التاثير على مجريات التحولات القادمة بعنف ، وقطعا سيكون الحديث عن دولة مدنية نوعاً من الرفاهية .
إن اول درس يتعلمه المظلوم أن لا يسعى لظلم غيره حتي لو كان ذلك ظلماً معنوياً … وعليه ان يراعي حقوق الآخرين … في رحلة البحث عن حقوقه … هذا الوضع لا يستقيم وستكون ردة الفعل عليه كارثية … وهو وضع مشين ان يدعو المهمش الى تهميش غيره، واجبنا أن نحذر من خطورة ما يجري الآن من محاولات مخططة لبث العنصرية والكراهية بين السودانيين ، الخطاب الحالي لن يرد الحقوق إلى أهلها أو من يمثلهم ، هذا يقود إلى حروب أخرى جديدة .. أكثر ضراوة تفتت وحدة البلاد الى غير رجعة و تخلق دويلات متناحرة داخلياً و متحاربة فيما بينها.. أيها القوم أفلا تعقلون.
صحيفة الجريدة