تظل الوحدة المتناقضة التي تعيشها قوى الحرية والتغييير وإفتقارها لوحدة المنفستو الذي تكتنفه ضبابية الرؤية لبلوغ الأهداف المنشودة ولا يوجد لديها برنامج واضح ليهتدي به مجلس الوزراء كخارطة طريق محدد وفق إطار معلوم
ولهذا نجد أن هنالك مدارس عديدة و متناقضة تماماً داخل هذا الهجين السياسي الغير متناغم فهنالك مدرسة تؤيد الإقتصاد الحر و تسعى لتحرير الأسعار وأخرى تقف ضد ذلك و لا تؤيد رفع الدعم.. و كما نجد أن هنالك عدم وضوح في معظم الوزارات كان يكتفه شيئ من الغموض و عدم الشفافية في تحديد حجم المنتج من الثروات المحلية فمثلاً و زارة الطاقة و التعدين لم تحدد للشعب كم هي الكميات المنتجة سنوياً أو شهرياً من الذهب أو كمية منتج البترول من الحقول السودانية ونسبة مساهمته في الإقتصاد الكلي و كذلك كم يغطي من الإستهلاك المحلي .. وكذلك الطريقة التي فاجأ بها وزير الطاقة الشعب بقصة البرمجة لقطوعات الكهرباء وذلك دون تحديد سقف زمني لنهايتها و لقد تم عرض المشكلة بدون حلول و كأنه يريد أن تحل هذه المعضلة من تلقاء نفسها وهذا علاوة على الفشل الذي صاحب الملف الإقتصادي عموماً
لا أريد أن أتدخل فى أداء ما أوكل لجميع الوزراء من مهام في هذه الظروف التي كانت تعتبر قاسية وتحد عظيم في كل شيئ.. و لو أخذنا سلبيات أداء أي وزارة من هذه الوزارات لتعللوا بأداء وزارة المالية تجاههم في عجزها عن توفير الحد الأدنى من أموال التسيير ما عدا وزيرة الخارجية التي كان ضعف أدائها يتحدث عن نفسه بنفسه .. و لا أحد يستطيع أن ينسى ما حصل بين وزيري الصحة والمالية من تبادل الإتهامات في الأيام القليلة السابقة وهذا إن دل أنما يدل على الوحده المتناقضة التي تعيشها الحاضنة السياسية للحكومة و التي دفعت بهؤلاء الوزراء علي سبيل المحاصصة حسب مكونات الحرية والتغيير وكان ذلك مع مراعاة الكفاءة العلمية فقط و التي كانت تنقصها الخبرة العملية و التجربة السياسية الكافية لإدارة هذه المرحلة الحرجة ومعرفة متطلباتها.. ورغماً عن هذه الظروف التي تعتبر تحدياً فلقد كان أداء وزير الري و الزراعة والتعليم العالي و البحث العلمي و العمل و التنمية الإجتماعية متميزاً وملموساً.. ولكن ما يدعو للغرابة هو وجود وزير التجارة والصناعة رغم ضعف أدائه
سعادة د حمدوك رجل المفاجآت و الذي فاجأ الشعب السوداني بأكمله مرتين.. المرة الأولى كانت تتمثل في طلبه الذي تقدم به للأمم المتحدة .. والمرة الثانية وكانت بالأمس وكان ذلك عبارة عن مفاجأ داوية لمعظم مكونات حاضنته السياسية و كذلك الشعب بأكمله بقراره الذي يقضي بطلبه الذي تقدم به لمجلس الوزراء الذي طلب فيه أن يتقدم الوزراء بإستقالاتهم ، و قبوله 6 إستقالات منها وكانت السابعة إقالة لذلك الوزير الثورجي و الناشط السياسي الذي كان يستمد إكسير حماسه من لجان خدمات الأحياء و المقاومة
وبهذا القرار الجريء الذي لم يستشر فيه أحد يعد إنقلاباً سياسياً على حاصنته السياسية و قد حمل ذلك القرار كثير من المفاجآت التي فتحت جملة من الصفحات الصفراء الجديدة والتي يجب علينا قراءتها بتأني شديد لأماطة اللثام عن المسكوت عنه و فتح أبواب التكهنات على مصرعيها وخصوصاً أن هذا القرار أتى متأخراً جداً لأن سعادة الفريق أول محمد حمدان دقلو قد أقر بهذا الفشل الذي صاحب هذه المرحلة و إقترح أن يتقدم الجميع بإستقالاتهم ولكنه لم يستمع إليه أحد .. إلا أن الدكتور حمدوك قد أدرك مؤخراً أن أزمة السودان مثل مسائل الرياضيات العصية التي تكون ضمن الإمتحان و يكون وجودها فقط بهدف التميز بين الشواذ و لا تخضع للقوانيين الحسابية المباشرة التي يصعب حلها وفق النظريات التي تم تدريسها و يعتمد حلها على المهارات الفردية فقط*
فأزمة السودان شبيهة بتلك المسائل المعقدة ويعتبر حلها عصياً وفق النظريات الأكاديمية والعلمية وعلى أيدي المتخصصين من التكنوقراط الذين فشلوا وفق المعطيات المتاحة في إدارة المرحلة ولا ننسئ لهم إجتهاداتهم التي قاموا بها .. و كانت هذه هي القناعة التي توصل إليها سعادة د حمدوك بفقدانه الثقة في التكنوقراط .. و لذلك أوكل في السابق رئاسة آلية اللجنة الإقتصادية إلى سعادة الفريق أول محمد حمدان دقلو وكان إصراره علي تكليف دقلو مرتين المرة الأولى حينما إعترض عليه الحزب الشيوعي وإستجاب له و رجعت إليه رئاسة الآلية و لكنه لم يتقدم بها مع كامل طاقمه الإقتصادي خطوة واحدة إلى الأمام وبعد شهرين من الزمان تم إرجاع الخبر إلى خبازه بعيداً عن النظريات والقوانين الإقتصادية المعقدة التي تتحكم في مفاصل نجاح العملية الإقتصادية وتم إرجاعها مرة أخرى إلى سعاد الفريق أول دقلو
الأن تتسابق الخطوات نحو السلام اليتيم و الجزئي الذي لا ولن يتحقق معه أي نوع من أنواع الإستقرار لأن هنالك أقوى فصيلين من حركات الكفاح المسلح ما زالوا يمسكون على زناد البندقية وكما أن طلباتهم لن يستطع أحد على تحقيقها لأن أول هذه الطلبات هو علمانية الدولة و بعد الإتفاق علي هذه العلمانية هنالك طلبات أخرى منها التعويضات و جبر الضرر الذي يجب يقوم بدفعها عموم الشعب السوداني الذي ليس له ذنب في هذه الحرب وكما أن هنالك طلبات لمحاكمات تاريخية منذ أيام تجارة الرق في السودان وحتى تاريخ هذه اللحظة أو البديل وهو الأرجح وخصوصاً بعد دخول البعثة الأممية.. و هو حق تقرير المصير الذي سوف يؤدى إلي تفتيت وحدة التراب و الوطن .. يعني بالمختصر المفيد ليس هنالك سلام شامل لا على أرض الواقع ولا في الأحلام*
بعد توقيع السلام النسبي سوف يتم دخول حاضنة سياسية جديدة لحكومة سيادة د حمدوك المرتقبة و سوف تعزز فيه الثقة قليلاً وتخرجه من ذلك التحكم المفصلي الذي كانت تتحكم فيه الحرية والتغيير لوحدها.. و هذا ما سوف يخلق قليلاً من حرية إتخاذ القرارات ولكن سوف يكون حجر عثرة أمام حكومة الكفاءات لأن معظم الوالجين الجدد سوف يكون وجودهم وفق المحاصصات التي لا تشترط الكفاءة والتي لن تتبدل معها الأمور كثيراً التي وصلنا إليها قفزاً بالزانة خلال التسعة أشهر الفائتة
نحن نترقب وننتظر ما سوف تؤول إليه الأوضاع.. و نناشد السيد الأستاذ عبد الواحد محمد نور والسيد عبد العزيز الحلو بالإستجابة لأصوات الشعب الذي طال به الزمن وينتظر هذه اللحظات التاريخية التي تصمت فيها صوت البندقية إلى الأبد وينعم بعد ذلك السودان في سلام شامل تعقبه تنمية عامة*