عقد مجلس الوزراء اجتماعاً طارئاً اليوم الخميس بدعوة من رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك .. الاجتماع تمخض عنه قبول استقالة (6) وزراء وهم أسماء محمد (الخارجية)، ابراهيم البدوي (المالية)، عادل علي إبراهيم (الطاقة والتعدين)، عيسى عثمان (الزراعة) ، هاشم طاهر (النقل) وعلم الدين أبشر (الثروة الحيوانية). الي جانب اعفاء وزير الصحة أكرم التوم
.. التغيير قد يكون حمل قدرا من المفاجأة ، ولكنه فتح الباب أمام التكهنات وحمل حزمة من الملاحظات والمعطيات جديرة بالتناول
@ أولاً: ليس صحيحا أن التغيير جاء استجابة لرغبة الشارع الذي خرج يوم 30 يونيو الماضي، مطالباً بإجراء تعديلات على طاقم الحكومة كما جاء في بيان مجلس الوزراء .. ذلك ان مطالب مسيرة (30) يونيو وهي (5) أوردها تجمع المهنيين في بيانه صبيحة 30 يونيو نفسه، ممثلة في: تولي مجلس الوزراء المدني لملف السلام / إصلاح المنظومة العدلية وتصفية عناصر النظام السابق في القضاء والنيابة، وتقديم رموز النظام السابق لمحاكمات عادلة وعلنية/ استكمال هياكل السلطة الانتقالية بتكوين البرلمان وتعيين الولاة المدنيين وتكوين المفوضيات /الإصلاح الاقتصادي بتبني سياسات تدعم الإنتاج والمنتجين، مع تصفية الاقتصاد الموازي وولاية وزارة المالية ومجلس الوزراء على كل الموارد/ هيكلة المؤسسة العسكرية ووضعها تحت إشراف مجلس الوزراء المدني.
@ ثانياً : من المحتمل ان التغيير جاء استجابة لشارع أخر غير الذي يقوده تجمع المهنيين، بدأت
الحكومة تستشعر خطورته… وهو شارع معظمه غير مسيس ،بات يوصف حكومة حمدوك بحكومة الجوع وهتف ضد سياسات وزير المالية وله رأي سالب في وزير الصحة باغلاقه البلاد دون ترتيبات .. وهاهما الوزيران يغادران.
@ ثالثاً: كشف التعديل عن عدم وجود قرارات وصفها حمدوك بالحاسمة في خطابه يوم 29 يونيو الماضي ودعا المواطن لترقبها.. اذ ان قرار التغيير كان متوقعاً مع الأداء المتواضع لبعض الوزراؤ خاصة (المالية والخارجية والصحة).. كما ان حمدوك عزز ثقته في الولاة العسكريين بالابقاء عليهم.. ثم أن الخطوة شبيهة بتعديلات الانقاذ (تغيير شخوص لا سياسات)
@ رابعاً : جاء التغيير غريباً في شكله وجوهره فماذا يعني استقالة وزراء بعينهم ، فجأة دون الأخرين وكانوا حتى أمس يعملون بكل همة (وزير الطاقة والتعدين التقى أمس الاربعاء نائب القائم بالاعمال الامريكي إلين ثوربيرنت وناقش معها آفاق التعاون في مجال الطاقة).
وزاد الأمر غرابة أن بيان مجلس الوزراء حمل قرار اعفاء يتيم (وزير الصحة) مما يؤكد أن خطوة حمدوك غير متفق عليها .. ربما اكرم لم ينوي تقديم استقالته أو رفض مقترح التقدم باستقالة – سيان- فكانت النتيجة اقالته.. وهو أمر غريب وربما الأول من نوعه عند اجراء تعديل وزاري.
@ خامساً : قد يكون الهدف من التعديل كسب الوقت بتقليل حالة الاحتقان في الشارع جراء الضائقة الاقتصادية .. والتي جاءت عليها جائحة كورونا التي عطلت حياة الناس بالداخل وكذلك ذويهم بالخارج الذين يمدونهم بالعملات الاجنبية (المغتربين)..
@ سادساً: أثبت التعديل أن الحكومة بشقيها الجهاز التنفيذي والتنظيمي – هذا حال شاور حمدوك الحرية والتغيير – تفتقر للذكاء السياسي اذ كان الاوفق ان يكون التغيير صبيحة اليوم الثاني لحراك 30 يونيو .. وتكون الخطوة بتقدم كل الوزراء باستقالاتهم شريطة ان لا يبت فيها حمدوك في لحظتها كما فعل اليوم (رغم تحفظي على طريقة المسيرات واسلوب مطالبها) .. لكن يلاحظ ان التغيير جاء بعد نهاية الحظر الشامل والحكومة ترى في الافق موجة احتجاجات عاتية بسبب انعدام المواصلات وارتفاع التذكرة وقطوعات الكهرباء.
@ سابعاً : تحدث رئيس الوزراء في اجتماع (الاستقالات)اليوم
عن الحاجة لتقييم أداء الحكومة.. لكن واضح ان التعديل تم دون تقييم حقيقي ودقيق لمستوى أداء الوزراء وإلا كان من الطبيعي اقالة وزير التجارة مدني عباس لحزمة من الاسباب منها عجزه في ادارة ملف الدقيق اذ لا تزال الصفوف ماثلة رغم زيادة سعر الخبز ،وهو صاحب التعهد بانهاء الصفوف غضون ثلاثة أسابيع (كان ذلك في يناير الماضي).. فضلا عن ذلك حالة التخبط التي تلازم قراراته وتأثيراتها السالبة على السوق مثل القرار الخاص باستيراد السيارات وكذلك بالصادر.
كما انه لو كان الحديث عن تقييم للأداء لغادرت وزيرة الشباب والرياضة ولاء البوشي موقعها وذلك ان وزارتها معنية بمن هم وقود التغيير (الشباب).. وكان المأمول منها تحويل كل الاندية والميادين خاصة في الاحياء الي ساحات للنشاط لشتى ضروب الرياضة.. وكسر عقدة كرة القدم.. وهي نشاطات يمكن جدا ان تستوعب المرأة .. وغير مكلفة.
@ ثامناً : كشف التغيير عدم امتلاك الحكومة ولا ذراعها السياسي (الحرية والتغيير) خطة (ب) مثلما هو ماثل في عدم امتلاكهما برنامج للمرحلة .. وسبق ان أقر حمدوك بذلك في زيارته للسعودية.. لا يعقل مغادرة (7) وعدم تسمية بدلاء .. خاصة وان الاوضاع الاقتصادية لا تحتمل غياب وزير المالية وكذلك الخارجية التي ينتظرها مشوار طويل لأجل التواصل الخارجي بعد ان ثبت ضعف الدبلوماسية السودانية ممثلة في الوزيرة اسماء ورأس الحكومة وعجزهما في التواصل الخارجي لانجاح مؤتمر برلين وقد حقق عائدات اقل من مؤتمرات سابقة مشابهة مثل (مؤتمر اعمار الجنوب باوسلو حقق 4.5 مليار دولار) .. (ومؤتمر اعمار دارفور بالدوحة جمع 3.7 مليار دولار ) و(مؤتمر تنمية الشرق بالكويت حقق 3.547 مليار دولار ).
@ تاسعاً: أظهر التغيير الصراع السياسي المكتوم بين مكونات الحرية والتغيير .. وبمثلما ظل الحزب الشيوعي (العدو التاريخي لحزب الامة) ينتقد وزير المالية المحسوب على حزب الأمة .. اطاح اخرين وربما فيهم حزب الامة بالوزير أكرم التوم المسنود باكبر آلة اعلامية من الشيوعي.
@ عاشراً : أو يكون بعكس (الملاحظة الثامنة أعلاة) أن التعديل أظهر ثقلاً يتمتع به تجمع المهنيين في نسخته الأولى (جناح الاصم) الذي ظل ينتقد سياسات وزير المالية .. أمر أخر يؤكد قوة هذا الجناح هو الابقاء على مدني عباس.
@ أحد عشر: اما ان بصمة الحزب الشيوعي بائنة في التعديل بمطالباته المتكررة باعفاء وزير الزراعة (جاءت المطالبة على لسان صديق يوسف بعد ثلاثة اشهر فقط من تشكيل الحكومة) أو ان مجموعات المصالح القوية والمؤثرة اطاحت بالوزير وهي سبق وأبعدت أقوى وزراء الانقاذ د. عبد الحليم المتعافي .. وهي مجموعات تجني ملايين الدولارات من تجارة السماد ومدخلات الزراعة .. بالعودة للوزير عيسى يعد صاحب اداء متميز يكفى انتاجية القمح هذا العام والتي تعد الأعلى (مليون طن) .. على الرغم من ان حمدوك كبله العام الماضي باسناده للجنة الطواري ومتابعة وانقاذ الموسم الشتوي لوكيل الوزارة.. وقبل يومين وقف الوزير بنفسه على عمليات الري بمشروع الجزيرة .. غير متناسين ان حمدوك لم يزر الجزيرة ولا القضارف(كبرى الولايات الزراعية).
@ أثنا عشر: بالنسبة لتغيير وزير الطاقة والتعدين عادل على فانه كان في ورطة منذ لحظة تعيينه .. من خلال دمج الوزارتين المهمتين .. وهو أمر يسأل عنه حمدوك وكذلك الحرية والتغيير وعلقنا على ذلك لحظة اعلان الحكومة الانتقالية .. مع ملاحظة ان اخر رئيس وزراء حقبة الانقاذ محمد طاهر ايلا فصل الوزارتين بعكس سلفه معتز موسى وسمى ايلا اسحق بشير (حزب أمة) للنفط ومحمد ابوفاطمة (تكنوقراط) للمعادن.. وظل عادل تائها بين النفط والتعدين وقد تراجع انتاج الاخيرة بشكل كبير .. أما النفط فدونكم الصفوف.
@ ثلاثة عشر : من مفارقات التغيير خروج وزيري النقل هاشم طاهر والثروة الحيوانية علم الدين عبد الله .. رغم انهما انضما للحكومة متأخرين ويفترض أن يكونا أكثر الوزراء خضعا للتمحيص.. لكن يبدو انهما لا يتمتعان بثقل سياسي في الحرية والتغيير.. والاول يمثل حصة الشرق والثاني النيل الأزرق.
ومهما يكن من أمر فلننتظر ماذا سيفعل حمدوك مع حكومته في نسختها الثانية