حدث أن اتصلت بي ذات مرة سيدة فضلى من معارفي من سيدات مدينة الفاشر بشكل متكرر لنحو سبع مرات متتاليات دون ان أرد، ولم يكن عدم ردي عليها عن عمد وانما بسبب وجودي فى مكان آخر غير الذي تركت فيه الموبايل، وعند اكتشافي لاتصالها المتكرر سارعت بالاتصال بها فبادرتني بهجوم كاسح قبل ان القي عليها التحية وقالت بعبارات غاضبة ما يزال صداها يتردد فى أذني ( تهميشكم وتطنيشكم لينا يا ناس الخرطوم هو اللي خلانا نتمرد)..تهميش وتطنيش ياله من سلوك قاس حق لمن يعاني منه ان يخرج للناس شاهرا سيفه، وقد استشعرت تهميشا وتطنيشا لاعتصام أهالى نيرتتي امام مبنى الادارة المحلية، هذا الاعتصام الرائع الذي تجلت فيه وتجسدت صورة اعتصام القيادة في محيط القيادة العامة للجيش بالخرطوم بكل زخمه والقه وحيويته فكان يستحق المتابعة والتغطية الاعلامية المستمرة لحظة بلحظة بدلا من هذا التطنيش الذى يلاقيه من اعلام الخرطوم الذى يبدو أنه يتأسى بالمثل المعيب (البعيد عن العين بعيد عن القلب) فصار خرطوميا محضا عنده كل بعيد عن مدى رؤيته المحدودة بالخرطوم فهو بعيد عن اقلامه ومايكرفوناته وشاشاته وبالتالي فهو بعيد عن التغطية والمتابعة، مع ان امثال اخرى تعظم من شأن البعيد فتقول فيه (ابعد حبة تزيد محبة) و (خليك بعيد حبك يزيد)، اما عن الحكومة المركزية بمدنييها وعسكرييها فهى (ضاربة طناش) ولم تحرك ساكنا الا في الساعة الخامسة والعشرون بعد أن مضى على الاعتصام اسبوعا كاملا وتعالت الاحتجاجات على التطنيش..
بتاريخ اليوم يدخل اعتصام نيرتتي المفتوح اسبوعه الأول وما زال الالاف هناك صامدين ومتلاحمين في اعتصامهم نساء ورجال وشيب وشباب لحين تحقيق مطالبهم المشروعة والعادلة، فى صورة تعيد للأذهان ذكرى اعتصام القيادة بكل ثوريته وشبابه الباسل وكنداكاته الماجدات وتكافله الملهم وابداعاته المتنوعة قبل العملية الغادرة والقذرة التي فضته بخسة ونذالة، ولعل ذات المطالب التي طالما صدح بها معتصمو القيادة العامة في الحرية والسلام والعدالة هي ذاتها مطالب ثوار نيرتتي، فالأهل فى نيرتتي لا يطلبون سوى السلام والأمن والامان والطمأنينة والتحرك والتنقل بحرية وسلام وعدالة تطال المتفلتين من قتلة المليشيات المسلحة ومخربيها ولجم انشطتهم الاجرامية، ويحمد لهم انهم لم يلجأوا لصد العنف والعدوان عليهم بعنف مضاد وانما اتخذوا وسيلة الاعتصام السلمية الحضارية للفت الانظار لقضيتهم ودفع السلطات المتراخية لتحمل مسؤوليتها كاملة، والكرة الان في ملعب الحكومتين الولائية والمركزية للاستجابة الفورية والحاسمة لتلبية وتحقيق مطالب المعتصمين المشروعة والعادلة، وعلى رأس تلك المطالب حفظ الأمن وضمان سلامة المواطن وحماية البساتين والموسم الزراعي وإبعاد بعض شاغلي الوظائف بالخدمة المدنية والنظامية بسبب سوء أدائهم ، في ظل ضعف الأجهزة الرسمية بشقيها المدني والنظامي ونتيجة للوضع الأمني المتردي، وتجريد المليشيات المسلحة من السلاح والقبض على مرتكبي الجرائم وتقديمهم للعدالة.
صحفية الجريدة